ارتفع منسوب التصعيد في المنطقة التي يفترض أن تكون «منزوعة السلاح» في محيط جيب إدلب، إلى مستويات ما قبل توقيع «اتفاق أستانا» الذي «ضبط» تطورات الميدان داخل إطار التجاذبات الروسية ــــ الإيرانية ــــ التركية. ورغم أن تفاهمات «خفض التصعيد» عُزّزت عبر «مذكرة إدلب» الموقّعة في سوتشي بين أنقرة وموسكو، إلا أن تعثّر تنفيذ بنود الأخيرة على الأرض فرض عودة جولات المعارك المتقطّعة، التي يمكن استثمارها في سياق الجهد التركي، المبارك من روسيا وإيران حتى الآن، لحلّ ملف إدلب بلا الاحتكام إلى عمل عسكري واسع. وخلال الأيام الماضية، شهدت حدود منطقة «خفض التصعيد» حشوداً عسكرية لافتة للجيش السوري وحلفائه، وخاصة في ريف حماة الشمالي، وذلك بالتزامن مع عودة نشاط سلاحَي الجو السوري والروسي، كما سُجّلت مشاركة الطائرات المروحية في قصف استهدف مواقع بين ريفَي إدلب وحماة بعد غيابها لما يقارب العام.وترافق التحشيد العسكري مع استهداف الفصائل المسلحة، وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام»، بصواريخ متوسطة المدى، مناطق في محافظتَي حماة واللاذقية، ولا سيما محردة ومحيط قاعدة حميميم الجوية. وتشير المعلومات إلى أن الصواريخ التي سقطت في بلدة القبيسية في ريف جبلة، وتسببت باستشهاد شخص وإصابة أربعة آخرين، أُطلقت من جوار بلدة باب الطاقة في ريف حماة الشمالي، التي تفصلها عن قاعدة حميميم مسافة تصل إلى نحو 40 كيلومتراً. وتعد البلدة داخل «المنطقة منزوعة السلاح»، حيث يجب ألا توجد أي أسلحة ثقيلة أو فصائل إرهابية، كما أنها تبعد أقل من كيلومترين عن إحدى نقاط المراقبة التابعة للجيش التركي.
ووسط أجواء توحي بقرب نشوب معارك في سهل الغاب وأطراف ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، تفيد المعلومات المتوفرة بأن أي تحرّك محتمل سيجيّر لمصلحة الضغط وإنفاذ بنود «اتفاق سوتشي»، وسيعتمد مداه على حجم الانتهاكات التي قد تخرج عن الفصائل المتشددة المتمركزة هناك. وفي موازاة ذلك، سيتابع سلاحا الجو والمدفعية مهمة استهداف النقاط التابعة لتلك الفصائل، على رقعة أوسع مما جرى استهدافه خلال جولات التصعيد الماضية.
اللافت في هذه التطورات الميدانية أنها تتزامن مع حراك دبلوماسي لافت في جنيف، قد يكون الاختبار الأول لفعالية عمل المبعوث الأممي غير بيدرسن. إذ ينتظر أن يلتقي الأخير، اليوم، ممثلين عن «المجموعة المصغّرة» و«هيئة التفاوض» المعارضة، إلى جانب لقاءات مجدولة بينه وبين مندوبي «الدول الضامنة» لمسار «أستانا». ويضع بيدرسن نصب عينيه تحصيل توافقات على دعم ملف إنشاء «اللجنة الدستورية» برعاية أممية، في محاولة لإحياء دور المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة، ونقل ملفات «أستانا» إليها. وبدا ذلك واضحاً خلال إحاطته الأخيرة في مجلس الأمن، حيث أكّد وجود تعاون إيجابي من جانبَي الحكومة والمعارضة في ملف «الدستورية»، مشيراً في الوقت نفسه إلى عدم وجود «اتفاق على كل شيء» حتى الآن. وحاول بيدرسن التنويه إلى نقاط جديدة لم يتطرق إليها الوسيط الأممي بوضوح من قبل، في محاولة لكسب ثقة الأطراف المعنية؛ إذ أشار إلى أن «المعاناة (في سوريا) لا تقتصر على اللاجئين والنازحين، حيث يواجه الملايين من السوريين في الداخل نقصاً حاداً في السلع، بما في ذلك الوقود، وهم يقتربون من مستويات الأزمة». كما أكّد أن «هذا النزاع ذو طابع دولي كبير»، وأن الحديث عن «احترام واستعادة سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها» لا يكفي لتحقيق ذلك دون خطوات فعلية. ويصل مسؤول التواصل في الخارجية الأميركي في الشأن السوري، جايمس جيفري، إلى جنيف للمشاركة في الاجتماعات، قادماً من أنقرة، حيث أجرى محادثات مع المسؤولين الأتراك حول «المنطقة الآمنة» المفترضة وسواها من ملفات مشتركة. وخلال اللقاءات، عادت تركيا إلى الحديث عن قرب التوافق مع الجانب الأميركي حول «المنطقة الآمنة». ورغم ذلك، لمّح جيفري إلى تعويل بلاده على مشروع إنشاء «قوة حفظ سلام» مشتركة، وهو ما سبق وعارضته أنقرة بالكامل.