خلصت دراسة بحثية صدرت في تل ابيب الى ان ظاهرة الانتحاريين التي تفشّت في الساحة السورية قد تتمدد الى خارجها، وتهدد استقرار الدول المجاورة، ومن بينها اسرائيل، تماماً كما يحدث في لبنان بعد انزلاق هذه الظاهرة اليه.
ووفقاً للدراسة التي أجراها «مركز مئير عميت» للمعلومات الاستخبارية، الذي تنشط شخصيات وازنة من الاستخبارات الاسرائيلية، فإن معدي التفجيرات الانتحارية في سوريا، يحاكون طرقاً وأساليب اتبعها تنظيم «القاعدة» وفروعه في العراق، و«المنظمتان الاكثر ارتباطاً بهذا النوع من الإرهاب هما جبهة النصرة، الفرع الرسمي للقاعدة، ورديفتها الخصم، الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)». وركزت الدراسة على العمليات الانتحارية التي نفّذها هذان التنظيمان.
وبيّنت الدراسة أن العدد الأكبر من العمليات الانتحارية كان من نصيب «النصرة» التي نفّذت «نفذت 43 عملية انتحارية تبنت مسؤوليتها، من أصل 50 عملية انتحارية سجلت عام 2012، ونفذت 34 عملية عام 2013»، فيما نفّذت «داعش» 9 عمليات انتحارية منذ تأسيسها في أيار 2013». ونفذت المنظمتان عدداً من العمليات الانتحارية المشتركة، من أصل 43 هجوماً عام 2013، باستخدام 53 انتحارياً. ومنذ بداية 2014، نُفّذت خمس عمليات انتحارية في لبنان، في المناطق التي ينشط فيها حزب الله، أربع منها نفذتها «النصرة» وواحدة تبنت «داعش» مسؤوليتها.
ولحظت الدراسة ان الهجمات الانتحارية لا تعتمد أسلوباً موحّداً، فهناك عمليات نفذها انتحاريان في الوقت نفسه وبآليتين مفخختين دفعة واحدة، ما يشير الى اختلاف شكل العمليات واسلوبها وفقاً للأهداف والإمكانات والمناطق المستهدفة، مشيرة الى انه في «هجوم انتحاري واحد، فجّر ستة انتحاريين انفسهم دفعة واحدة ضد هدفين متقاربين». وبحسب الدراسة، تطورت العمليات الانتحارية في سوريا، وبات «استخدام اكثر من انتحاري في آن واحد ضد اهداف هامة، امراً شائعاً».
العمليات الانتحارية، بحسب نتائج الدراسة، استهدفت اساساً منشآت وقواعد عسكرية وحواجز ونقاط سيطرة ومقارّ ومعسكرات ومراكز استخبارية سورية، اضافة الى مؤسسات حكومية ومراكز شرطة وسجون ومصانع عسكرية، فضلاً عن عمليات طاولت فقط مدنيين سوريين، وبلا عنوان محدد. وتشير الدراسة الى ان معظم العمليات على انواعها، حصدت اعداداً كبيرة جداً من المدنيين، الأمر الذي أضرّ بصورة جبهة النصرة التي تبذل جهوداً كبيرة لكسب تأييد الشعب السوري، في حين أن «داعش» تنظر الى هذا العامل بصورة هامشية واقل حساسية.
وأوضحت الدراسة ان ثلث العمليات الانتحارية نُفّذَ في دمشق او المناطق الريفية المحيطة بها، واستهدفت هذه العمليات زعزعة الامن في المناطق التي يسيطر عليها النظام، والاستفادة من التغطية الاعلامية للعمليات التي تنفّذ في العاصمة وحولها. أما بقية العمليات، فنفذت في مناطق بعيدة عن دمشق في شمال سوريا وشرقها، ومعظمها كان يهدف الى تمهيد هجوم او عملية ما ضد مناطق يسيطر عليها النظام.
ولحظت الدراسة ان رسائل بالصوت والصورة للانتحاريين اعقبت تنفيذ عدد من العمليات جرى الإعلان عنها وتبني مسؤوليتها، سواء من «النصرة» او «داعش». وفي تحليل لهذه الرسائل، وجدت الدراسة ان معدي التفجيرات حرصوا على اظهار الطابع الطائفي والمذهبي للحرب، وتحديداً بين السنة والعلويين، مع الاصرار على ضرورة مواصلة الجهاد ضد الكفار، باعتباره واجباً شخصياً على كل مسلم.
من بين 53 عملية انتحارية نفّذتها «النصرة» او «داعش» على الاراضي السورية، لحظت الدراسة اسم 30 انتحارياً فقط، بينما لم يعلن عن اسماء المنفذين الآخرين، ووجدت ان 23 من اصل 30، هم من الأجانب، مقابل 7 سوريين. في نفس الوقت، ومن بين الأجانب الـ 23، هناك 13 انتحارياً سعودياً، واربعة اردنيين، وثلاثة عراقيين (بينهم كرديان)، وتونسي وأوسترالي وكندي واجنبية غربية لم تتمكن الدراسة من تحديد جنسيتها. وتلفت الدراسة الى انه ليس مفاجئاً أن يكون العدد الاكبر من الانتحاريين سعودياً؛ لأن المملكة العربية السعودية هي منشأ تنظيم القاعدة، كذلك فإنها الداعم الرئيسي للمتمردين في سوريا، اضافة الى ان أعداداً كبيرة جداً من السعوديين، من غير الانتحاريين، قتلوا في سوريا.
ولا تستبعد الدراسة ان يكون عدد كبير من الاجانب الذين قدموا الى سوريا لتنفيذ عمليات، امتنعوا عن تنفيذها في اللحظة الاخيرة، ورغم إشارتها الى غياب أي معطيات منشورة في هذا الاطار، لاحظت عينة واحدة مرتبطة بفلسطيني من اراضي عام 1948، اظهر التحقيق معه بعد عودته من سوريا، انهم عرضوا عليه تنفيذ عملية انتحارية، لكنه رفض. والتقدير، بحسب الدراسة، ان هذه الحالة لم تكن يتيمة.
وبعدما تناولت الدراسة العمليات الانتحارية التي نفذت في لبنان، وتحديداً في بيئة حزب الله، خلصت الى ان «تسرب» الانتحاريين الى لبنان، يظهر قدرة عملياتية لدى «جبهة النصرة» و«داعش» وتنظيمات متطرفة اخرى مرتبطة بـ«الجهاد العالمي»، وايضاً قدرة فعلية على التسبب بتحد غير سهل امام حزب الله، الذي عليه ان يجد حلولاً لهذه التحديات. مع ذلك، رأت ان القدرة على الانتقال الى لبنان تطور خطير من شأنه ان يشكل تهديداً امنياً يتخطى الحدود السورية، ولا يقتصر فقط على تقويض امن لبنان واستقراره. و«كلما طال زمن الحرب في سوريا، كبر احتمال هجمات انتحارية في دول اخرى، اذ ان النشطاء الجهاديين الأجانب الذين يُقاتلون هناك، ومن ثم يعودون إلى دولهم، قد يشنون أو يُشاركون في هجمات انتحارية، مع استخدام خبرتهم العملية الواسعة في الحرب السورية، والعلاقات التي نسجوها اخيراً بنشطاء من القاعدة والجهاد العالمي».