تصاعدت وتيرة القصف الجوي الليلي في طرابلس، مع استهداف قوات المشير خليفة حفتر «معسكر القعقاع» الواقع تحت سيطرة «قوة الردع المشتركة ــ أبو سليم» التابعة لحكومة «الوفاق الوطني»، ما أدى إلى انفجارات للذخائر استمرت لما يقارب ساعة، وتسبّبت في أضرار لحقت بمواقع مدنية. واستهدفت عمليات القصف، التي تمت السبت الماضي، مواقع أخرى، وكانت من تبعاتها أيضاً سيطرة قوات حفتر على «معسكر اليرموك»، وتحقيق تقدم في بعض المحاور، ما أدى إلى رفع خسائر قوات «الوفاق» إلى أكثر من 300 قتيل وألفي جريح، وفق إعلان وزير الداخلية، فتحي باشاغا، أول من أمس، من تونس، التي استمرت زيارته لها يومين.لم يُحمّل باشاغا حفتر مسؤولية الضحايا فحسب، بل لمّح إلى داعميه، بالإشارة إلى أن المقاتلات التي يمتلكها حفتر تفتقر إلى «إمكانيات القصف المباشر والدقيق الذي تعرضنا له»، وأن إصابة الطائرات «دقيقة» و«لا تمتلكها إلا دولتان عربيتان». وفي حين بقي الاتهام مبطناً ويفتقر إلى الأدلة المادية، نشر المحلل العسكري، أرنود دوللوند، مقالاً تحليلياً أمس، لعدد من صور شظايا صواريخ استُخدمت في قصف خمسة مواقع في طرابلس، وتوصّل إلى أنها تعود لصواريخ مضادة للمدرعات، من صنع صيني تُعرف باسم «بلو أرو 7»، وهي الصواريخ نفسها التي استُخدمت في اغتيال رئيس المجلس السياسي الأعلى (سابقاً) في العاصمة اليمنية صنعاء، صالح الصماد، في 19 نيسان/ أبريل عام 2018. وأشار دوللوند إلى أن هذه الصواريخ يمكن تركيبها في طائرات «وينغ لونغ 2» المُسيّرة، والتي تملكها الإمارات ومصر، وقد استخدمت سابقاً لمساندة حفتر في حربه في بنغازي ودرنة شرق ليبيا. ويُقدّر الخبير في الشؤون العسكرية أن الطائرات المسيّرة أطلقت من غرب ليبيا وليس من شرقها، وذلك للحفاظ على إمكانية تحليق لزمن أطول فوق طرابلس، مرجّحاً أن تكون «قاعدة الوطية»، غرب العاصمة، مكان الإطلاق. ويتقاطع هذ التحليل مع شهادات قدمها شهود من طرابلس، قالوا إن القصف لا يتزامن مع أصوات طائرات حربية مثل ما كان عليه الأمر سابقاً، ما يؤكد فرضية المحلل العسكري بأن القصف يتم من طائرات مسيّرة.
دعمت الجزائر وتونس اتفاق مصالحة تألفت بمقتضاه حكومة «الوفاق» عام 2015


في شق آخر من مؤتمره الصحافي، توجه فتحي باشاغا بحديثه لأول مرة إلى دول المغرب العربي، قائلاً إن «دول المغرب العربي في خطر حقيقي ما لم تتكاتف لوقف المدّ الديكتاتوري»، معتبراً أن هذا المدّ «يبدأ من طرابلس». كذلك دعا إلى «عقد اتفاقية أمنية واتفاق دفاع مشترك بين دول المغرب العربي» لمواجهة ذلك، محذراً من أنه لم يعد بالإمكان التعويل على المجتمع الدولي في ظلّ انقسامات حالت دون صدور مشروع قرار بريطاني الأسبوع الماضي لوقف معركة طرابلس، بسبب رفض روسيا والولايات المتحدة.
لم يكن حديث باشاغا، الذي أتى بعد يومين فقط من انتهاء زيارة وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، لتونس (استمرت يومين)، بعيداً عن مضمون مؤتمر صحافي مشترك بين الأخير ونظيره التونسي خميس الجهيناوي، تَركّز حول موضوع ليبيا، إذ دان الوزير التونسي القتال في طرابلس، ودعا إلى وقفه والعودة إلى الحوار السياسي، فيما شدد الوزير الجزائري على وحدة الموقف بين البلدين تجاه ما يحصل في ليبيا، مشيراً إلى أنه ينبع من التحديات المشتركة. وقال: «نحن على متن قارب واحد، إن كانت عاصفة فستمسّنا جميعاً»، محذراً من أن «الحالة في ليبيا قد تمسّ الاستقرار في البلدين». وأنهى حديثه بلغة جازمة: «لا أقبل ولن أقبل أن عاصمة عربية ومغاربية تُقصف ونحن صامتون، هذا مرفوض مبدئياً... على لغة المدافع أن تنتهي». ورغم أن كلام بوقادوم جاء بعد إعادة تأكيده المبدأ الدبلوماسي الجزائري القديم الذي يقضي بـ«عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وإن كانت شقيقة»، إلا أنه بدا كاستثناء غير مسبوق، علماً بأن الجزائر وتونس عملتا منذ إسقاط نظام معمر القذافي على حماية نفسيهما، عبر رفع الموازنة العسكرية وتشديد الحراسة على الحدود، وأيضاً عبر دعم الحوار السياسي الذي أفضى إلى اتفاق مصالحة تشكلت بمقتضاه حكومة «الوفاق الوطني» نهاية عام 2015.
تبدو الجزائر وتونس وقد بدأتا الخروج عن حيادهما. وبدا ذلك في خوضهما في الملف الليبي عبر رفض هجوم حفتر ودعم حكومة طرابلس، كما أوصلت تونس رسالتها دبلوماسياً من خلال استقبال وزير داخلية «الوفاق»، واستقبال نائب المجلس الرئاسي للحكومة أحمد معيتيق، من طرف رئيسَي الجمهورية والحكومة، بينما لم يكن في استقبال وزير خارجية حكومة شرق البلاد الداعمة لحفتر سوى مستشار رئيس الجمهورية. هذا التوجه التونسي ــــ الجزائري للتقارب مع حكومة «الوفاق» ينبع أيضاً من ريبتهما تجاه موقف مصر، التي واجهت محاولات كلتا الدولتين على امتداد الأسابيع الماضية لعقد اجتماع لما يعرف بـ«آلية دول جوار ليبيا» التي تجمعهما مع مصر للتشاور، وفضّلت أخيراً عقد اجتماع «لجنة ليبيا في الاتحاد الأفريقي»، حيث أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تقييماً للوضع في طرابلس، يصبّ مباشرة في خدمة سردية حفتر حول الهجوم.