انتهت خلال اليومين الماضيين سنوات العزلة الإجبارية لنحو ثلاثة آلاف سوري، كانوا عالقين في مخيم الركبان قرب ملتقى الشريط الحدودي مع الأردن والعراق، بعدما عبروا إلى مناطق سيطرة الحكومة. المشهد عند معبر جليغيم في البادية السورية، يحاكي موسم الهجرة الربيعي نحو الشمال. مئات المدنيين يفترشون أسفلت الطريق ورمل الصحراء الساخن، في انتظار إنهاء الإجراءات الرسمية، مثقلين بذكريات سنوات عاشوا فيها أمرّ الظروف.رحلة مغادرتهم المخيم لم تكن بدورها أقلّ قسوة وصعوبة. يروي أبو عبد الله التدمري، الذي أنهى عقده السادس، لـ«الأخبار»، تفاصيل عبوره عشرات الكيلومترات في صحراء قاحلة بين الركبان ومعبر جليغيم، فيقول: «لم تكن هناك إمكانية للمغادرة، فالقوات الأميركية والإرهابيون كانوا يمنعوننا من الخروج... ضليت بالمخيم خمس سنين وكأني بسجن، بسّ كبير، راح الخوف لحظةَ وصلنا إلى نقاط الجيش السوري». ويضيف شارحاً ظروف العيش داخل المخيم: «الخيام هناك مجرد أقمشة، والقماش يبقى قماشاً، لا يقي من حرّ ولا برد... كلّ عمري بكفّة وهالخمس سنين بكفّة ثانية». ينظر أبو عبد الله وراء ظهره ويقول: «الحمد لله خلصنا من ركبان الموت».
فوق حرّ الطريق الصحراوي، تروي العجوز السبعينية، نشميّة، قصّتها لـ«الأخبار»: «صارلي بالركبان أربع سنوات، كنا عايشين من قلة الموت... قلبي فرفح لما وصلت سوريا، حسّيت وكأن الرّوح رجعتلي». تستأنف نشميّة حديثها بعد شربها الماء: «كان حلمي إنو عيش آخر أيامي ببيتي، حتى لو كان مدمر». الحلم نفسه يحضر على ألسنة معظم الخارجين. تقول أم حياة وهي تحمل ابنتها ذات الأيام السبع: «كنا نربي أطفالنا على أمل العودة»، وتلتفت إلى ابنتها وتخاطبها: «الله يجعلك من اسمك نصيب».
يفتّش الجنود السوريون الحافلات الخارجة من الركبان، ويأخذون البيانات الشخصية للمدنيين لتُسجّل في قوائم موثّقة، ليُنقَلوا بعدها إلى مراكز إيواء خُصّصت لهم في مدينة حمص. يعلّق أحد ضباط الجيش المشرفين على تلك العملية: «هؤلاء أهلنا وواجبنا حمايتهم وتسهيل عودتهم». لا يُعرف بدقّة العدد الباقي من المدنيين داخل المخيم، ولكنه يُقدّر بالآلاف. تتقاطع الروايات حول الخروج من المخيم لتؤكد أن مغادرته كانت تتطلب سابقاً دفع مبالغ طائلة لبعض المهربين وأفراد الجماعات المسلحة هناك، مقابل مساعدتهم في اتباع الطريق الصحراوي نحو مناطق الحكومة السورية.