القاهرة | طوت مصر صفحة استفتاء التعديلات الدستورية، بعد إعلان «الهيئة الوطنية للانتخابات» نتائج الاستفتاء بنسبة تأييد بلغت 88.8٪، ومعارضة وصلت إلى 11.37٪، ومشاركة قاربت 44.33٪ بحسب المعلن رسمياً، والذي يُعدّ الأعلى في تاريخ بيانات المشاركات المصرية في الاستحقاقات الانتخابية. لكن نسبة الموافقة المعلنة جاءت أقلّ بكثير مما حاولت الأجهزة الأمنية تحقيقه، كما أنها الأدنى في الاستحقاقات التي جرت منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في 2014، علماً بأن التعديلات الجديدة تضمّنت تمديد ولايته الحالية حتى 2024، مع أحقيته في الترشح استثنائياً لمرة ثالثة.طيّ الصفحة بإعلان النتائج لا يمنع من مراجعة تفاصيل ما جرى. ففي أقلّ من أسبوع، أقرّ البرلمان التعديلات، وخاطب رئيس الجمهورية الذي قام بدوره بمخاطبة «هيئة الانتخابات» التي أنجزت عملية التصويت داخل مصر وخارجها، وفرزت النتائج في أقلّ من 6 أيام، ليمرّ الاستفتاء في زمن قياسي قبل بداية الإجازات التي تدخلها مصر اعتباراً من اليوم، بالتزامن مع احتفالات أعياد «تحرير سيناء». فتحت «الهيئة» باباً واسعاً للتشكيك، بعدما منعت رؤساء اللجان من إعلان النتائج، وأوعزت إليهم برفض حضور الصحافيين والحقوقيين الحاصلين على تصريح لمتابعة عملية الفرز، ليتم إرسال النتائج من دون أي رقابة، فيما لم توفر «الهيئة» على موقعها الإلكتروني نسخة منها.
كذلك، خرجت عملية المراقبة على العملية الانتخابية بالصورة التي تريدها الأجهزة الأمنية؛ فالمتحدث باسم «البعثة الدولية لمراقبة الاستفتاء»، أيمن عقيل، عقد مؤتمراً صحافياً أمس للإشادة بمجرياته، حيث قال: «بضمير مستريح، إن الاستفتاء الذي أُعلنت نتائجه أمس الأول جاء متوافقاً مع المعايير الدولية المتعارف عليها، بما يجعلنا مطمئنين إلى أن نتائجه تعبر عن الإرادة الشعبية»، مضيفاً أن «الاستفتاء يأتي فى ظل معركة بناء اقتصادي لا تقلّ في أهميتها عن معركة الحرب على الإرهاب». هكذا، جاءت الرقابة التي سُمح بها من قِبَل «الهيئة» رقابةً من منظمات حقوقية داعمة للسيسي ونظامه بشكل كامل، لتتحدث عن الإرهاب، وليس عن الخروقات التي شابت عملية الاستفتاء، بداية من توجيه الناخبين وإجبارهم على التصويت، مروراً بتهديدهم باتخاذ إجراءات عقابية ضدهم، وصولاً إلى توزيع سلع ومواد غذائية عليهم.
التشكيك في مصداقية النتيجة المعلنة لا يقلّل من أهميتها للمعارضة، خصوصاً في حال عملت الأخيرة على استغلالها بشكل جيد. فالمعارضة التي مُنعت من الترويج لرفض التعديلات، وحوصرت بشكل غير مسبوق، تمكنت من الحصول على دعم أكثر من 3 ملايين شخص في صناديق الاقتراع. رقم يبدو الأكبر في التعبير عن رفض السيسي ــــ وفق الأوراق الرسمية ــــ منذ ظهوره على الساحة. فالرئيس الذي كان يعتبر الاستفتاء بمثابة اختبار جديد لشعبيته، صُدم ــــ رغم توجيهه الشكر للمصريين فور إعلان النتيجة ــــ بتراجع نسبة التأييد. هذه المرة، نجحت المعارضة في إثبات نفسها، ليس في الإقبال على التصويت بـ«لا» فقط، بل أيضاً في محاولات التحرك في الشارع، والتي جاءت كاستغلال لحالة الغضب ضد الرئيس وسياساته.
انتهاء الاستفتاء بسرعة لا يعني بالضرورة سرعة الانتهاء من الالتزامات التي نصّ عليها. فمجلس النواب الذي يفترض أن يقوم بإقرار القوانين المنصوص عليها دستورياً بموجب التعديلات، لم يتلقّ حتى الآن من الأجهزة الأمنية التصورات المبدئية لتلك القوانين. لكن، وفق المعلومات، لن يضع البرلمان على أجندته قانون البلديات لإجراء انتخاباتها التي لم تُجرَ منذ 2010، وسيعمل فقط على التشريعات الخاصة بقوانين انتخابات مجلس النواب المقررة في النصف الثاني من 2020. كذلك، سيكون على البرلمان الحالي صياغة قانون كامل جديد خاص بمجلس الشورى، ينص على اختصاصاته ومهامه وتوزيع دوائره، بالإضافة إلى صياغة تشريعات جديدة مرتبطة بنائب رئيس الجمهورية.