منذ إعلانه رؤيته الاقتصادية عام 2016، اجتذب محمد بن سلمان انتباه وسائل الإعلام العالمية إلى ما ستقوم به السعودية في هذا المجال. خلال السنوات الثلاث الماضية، كان هناك تركيز على هذا الشأن، على اعتبار أن لدى الأمير «أهدافاً كبيرة قد تكون صعبة التحقق»، وهو ما تبدّى مع الوقت بالفعل، استناداً إلى ما تداوله العديد من الأوساط الغربية المختصّة.حتى بداية العام الحالي، كانت غالبية وسائل الإعلام الغربية المختصّة بالشأن الاقتصادي تظهر نظرة متشائمة إزاء الإصلاحات الاقتصادية السعودية ضمن ما يُسمى «رؤية 2030»، ولا سيما حين يتعلّق الأمر بالانطباع العام الذي تتركه لدى المستثمرين، وخصوصاً الأجانب منهم. العناوين التي نُشرت عن الموضوع كثيرة، إلا أن أبرزها ما جاء في مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية في نهاية العام الماضي، بالتوازي مع ما نُشر في وكالة «بلومبرغ» الأميركية في الفترة ذاتها، من تحذير من «الرؤية غير الواضحة» للإصلاحات السعودية، وتأثيرها على الاستثمار الخارجي.
المجلة البريطانية أكدت أن هذه الإصلاحات «لا تجذب المستثمرين». وإذ أشارت إلى أرقام تعكس ارتفاع سوق الأسهم السعودية، إلا أنها لفتت إلى أن «التقدم يبدو وهمياً». العبارة التي توضح ما تعنيه المجلة كافية للاستدلال على المخاطرة التي بدأ بها ولي العهد، محمد بن سلمان، عام 2016، فضلاً عن الخطوات الكبيرة التي خطاها، والتي يتّضح مع الوقت أنها تؤدي إلى نتائج عكسية على الاقتصاد السعودي، بشكل عام. «بالنظر إلى الأرقام الأخيرة، تبدو نتائج إصلاحات محمد بن سلمان مخيّبة للآمال»، قالت «ذي إيكونومست». وانطلقت من وقائع عدة تؤكد هذه النظرية، لافتة إلى سوق الأسهم مثلاً، التي «تبدو بحالة جيدة». ولكن ما يقف وراء هذه الجودة «الدعم السري من قِبَل الحكومة، عبر تقديم طلبات شراء ضخمة لمواجهة عمليات البيع، التي تبعت الأزمات السياسية الأخيرة»، وهي في ذلك تستند إلى تقرير نُشر في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن الموضوع.
وفق المجلة البريطانية، فإن «أرقام الناتج المحلي الإجمالي مضلِّلة بشكل كبير». ذلك أن «الاقتصاد يبقى معتمداً على النفط»، الأمر الذي يخالف الهدف الأساسي للرؤية الاقتصادية لابن سلمان. وبحسب «ذي إيكونوميست»، فإن ابن سلمان «يسعى لأن ينظر المستثمرون الأجانب إلى السعودية على أنها رهان آمن»، ولكن «سياساته المتقلّبة، من حبس السعوديين الأغنياء في عام 2017، إلى الخلاف الدبلوماسي الذي لا طائل منه مع كندا وألمانيا، تخيفهم». وفي هذا الإطار، تستند المجلة البريطانية إلى الأرقام لتبرّر تقييمها، إذ تشير إلى أن «الاستثمار الأجنبي المباشر انخفض إلى 1.4 مليار دولار (0.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) في عام 2017، من 7.5 مليارات دولار في العام الذي سبق». هذا فضلاً عن أن «السعوديين الأغنياء يحاولون نقل أموالهم إلى الخارج، إذ نُقل حوالى 80 مليار دولار عام 2017».
«بلومبرغ»: لطمأنة المستثمرين عبر التخلّي عن المشاريع الكبيرة مثل «نيوم»


لا تنتهي مآخذ المجلة عند هذا الحد، فهي تنتقل إلى المشاريع الضخمة الموجّهة من الدولة والتي يروّج لها ابن سلمان، مثل مدينة «نيوم» على الساحل الشمالي الغربي. وتوضح أن ما بُني ضمن هذا المشروع لا يزال قليلاً جداً. كذلك، تتحدّث عن «مدينة الطاقة» «سبارك»، التي بدأ العمل بها في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، والتي تبلغ تكلفتها 1.6 مليار دولار، معتبرة أن «مثل هذه الخطط نادراً ما تعمل». لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، إذ تتطرّق المجلة إلى «حي الملك عبد الله المالي»، وهو مشروع تكلفته 10 مليارات دولار في الرياض، لا يزال «مكوّناً من المباني أكثر من المصارف».
وبالانتقال إلى مبيعات التجزئة، تلفت المجلة إلى أنها «بطيئة»، موضحة أن «عدد وظائف التجزئة انخفض بمقدار 177 ألفاً منذ عام 2017، مُعرقلاً جهود الحكومة الرامية إلى خلق فرص عمل للسعوديين، عبر منع الأجانب من العمل في العديد من وظائف البيع». وفق المجلة، فإن «السعوديين لا يحلّون مكان الأجانب»، وذلك لأسباب عدة؛ منها أنها لا يهوون الأعمال اليدوية مثلاً، وأيضاً لأن «كلفتهم أعلى من كلفة العامل الأجنبي».
من جهتها، ترى «بلومبرغ» أن الإنفاق المفرط في ميزانية العام الحالي يهدد بإخافة المستثمرين. وتقول إن «الموازنة التوسعية الجديدة للمملكة تشير إلى أن الحكومة تفتقر إلى التصميم والانضباط لفصل البلاد عن اعتمادها على النفط، وتقليص المساعدات الحكومية، وتطوير قطاع خاص قابل للحياة». وفي السياق، تشير الوكالة الأميركية إلى أن «موازنة عام 2019 تطلب حوالى 300 مليار دولار للإنفاق، وهي أكبر النفقات في تاريخ المملكة، رغم انخفاض أسعار النفط والإنتاج». كذلك، تلفت إلى أن «من المتوقع أن يبلغ العجز 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي».
أما عما يجري تطبيقه فعلاً، فتذكر «بلومبرغ» أن الحكومة تقوم بما ينافي أسس «إصلاحاتها الاقتصادية»، ومنها «تمديد منحها السنوية للمواطنين عاماً آخر، ضمن نوع من التبذير سعت الرؤية إلى إلغائه». تعتبر الوكالة أن هذا الأمر «سيعمّق الشكوك بين المستثمرين المحليين والأجانب»، مشددة في الوقت ذاته على أن «هناك بعض الخطوات التي يمكن أن تطمئن المستثمرين في شأن الرؤية الاقتصادية، ومنها التخلي عن الخطط الضخمة المتعلقة بإنفاق 500 مليار دولار لبناء مدينة جديدة على الساحل الشمالي الغربي، وتسريع خصخصة 14 شركة تملكها الدولة، فضلاً عن إنهاء المنح الحكومية بعد عام 2019».