جوبا | أثارت إطاحة الرئيس السوداني المخلوع، عمر البشير، مخاوف في جنوب السودان، لِما كان يمثله الرجل من ضمانة لاتفاق السلام الموقَّع بين الحكومة بقيادة الرئيس الحالي سلفاكير ميارديت، وفصائل المعارضة المسلحة. ويخشى مراقبون من أن يعرقل غياب البشير اتفاقيات من نوع تدريب الجيش الموحد لجنوب السودان، الذي أوكل إلى الجيش السوداني، أو اتفاقيات البترول، ولا سيما أن البشير كان يملك العديد من أوراق الضغط السياسي التي طالما استخدمها ضد الأطراف، ما أفضى إلى قبولها في النهاية بتوقيع اتفاق سلام استضافته الخرطوم العام الماضي. إطاحة البشير جرت في الأسبوع نفسه الذي كان يتهيأ فيه لزيارة العاصمة جوبا، لعقد لقاء قمة مع الرئيس ميارديت، بهدف مناقشة القضايا العالقة من اتفاقية السلام، وخاصة المسائل المرتبطة بالترتيبات الأمنية، وتدريب القوات المشتركة من الحكومة والمعارضة لتكون بمثابة النواة للجيش القومي لجنوب السودان. لكن حكومة الجنوب لا تزال متفائلة بأن رئيس المجلس العكسري الجديد، الفريق عبد الفتاح البرهان، سيستمر في أداء الدور نفسه الذي أداه البشير، عبر مواصلة دعم تنفيذ اتفاقية السلام، ولا سيما أن ملف الترتيبات الأمنية كان تحت إشراف الجيش السوداني. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، السفير ماوين ماكول، لـ«الأخبار»، إن «الحكومة في جوبا تتابع مجريات الأحداث في السودان من كثب»، وطالب «المجلس العسكري بمواصلة الدور الذي بدأه الرئيس البشير برعاية تنفيذ اتفاق السلام بصفته الضامن الرئيس للاتفاقية».
وفي إطار تبديد المخاوف أيضاً، أعلنت وزارة النفط أن عملية إنتاج بترول جنوب السودان من حقول ولاية الوحدة وتدفقه إلى ميناء التصدير السوداني في بورتسودان، لا تزال مستمرة، ولم تشهد عرقلة بسبب التطورات المتسارعة في الخرطوم. وأشار وزير النفط في جنوب السودان، إيزيكيال قاتكوث، في تصريحات لـ«الأخبار»، إلى أنه تلقى تقريراً ميدانياً أمس، «من العاملين في حقول النفط في ولاية الوحدة الواقعة غرب البلاد، التي استؤنف الإنتاج فيها مطلع هذا العام، حيث أكدوا لي أن عملية الإنتاج تسير طبيعياً، وأن الوحدات الفنية من السودان وجنوب السودان لا تزال تمارس مهماتها كالمعتاد». وكان الرئيس السوداني المخلوع قد استطاع استغلال ورقة إعادة ضخ بترول جنوب السودان وتصديره عبر السودان، للضغط على ميارديت للموافقة على الدخول في تفاوض مباشر مع زعيم المعارضة المسلحة، ريك مشار، المقيم في الخرطوم، وبقية المجموعات المسلحة التي تحارب لإسقاط حكومة جوبا.
أعلنت وزارة النفط أن عملية الإنتاج والتصدير عبر بورتسودان لا تزال مستمرة


وتقول المعارضة المسلحة إنها لم تعد تخشى على مصير قادتها الموجودين في الخرطوم، حتى بعد إطاحة حليفها القديم، البشير، بعدما اعتلى قادة المجلس العسكري الحكم، مبينةً أن قادتها موجودون في الخرطوم بصفتهم شركاء في اتفاقية السلام، لذلك، فهم لا يتوقعون أي تأثيرات سلبية عليهم بعد إطاحة البشير، كذلك فقد بات بمقدورهم العودة إلى بلادهم إذا وقعت تطورات أخرى جديدة في الخرطوم تهدد بقاءهم فيها. وفي هذا السياق، أوضح عضو المكتب القيادي للمعارضة المسلحة، بقيادة ريك مشار، أقوك ماكور، لـ«الأخبار»، أن «قادة المعارضة الموجودين في الخرطوم ليسوا في حالة حرب مع الحكومة في جوبا، بل هم شركاءها في تنفيذ اتفاق السلام الذي وُقِّع بوساطة من الخرطوم، وإذا حدثت أي تطورات أخرى، فإنه يمكنهم العودة إلى جوبا من دون أي خوف على مستقبلهم، لأنهم لم يعودوا أعداء للحكومة».
جدير بالذكر، أن نجاح البشير في دفع أطراف جنوب السودان للتوقيع على اتفاق السلام، يعود إلى معرفته اللصيقة بالدولة منذ عقود طويلة، حيث قاد فرقة تابعة للجيش السوداني في بلدة ميوم، الواقعة في ولاية الوحدة، شمال جنوب السودان، في ثمانينيات القرن المنصرم، أثناء فترة الحرب الأهلية (1955- 2005). ومع توقيع اتفاق للسلام أنهى هذه الحرب، صارت الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب حالياً شريكاً لحزب البشير في السلطة، وعُيِّن رئيس جنوب السودان الحالي، ميارديت، نائباً للبشير لفترة ست سنوات، انتهت باستقلال جنوب السودان عبر استفتاء شهير عام 2011.
ولا يتوقع المتحدث الرسمي باسم «الحركة الوطنية لجنوب السودان»، استيفن لوال نقور، أن يؤثر غياب البشير كشخص على تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية، لأن «الملف الأمني كان تحت مسؤولية القيادة العامة للجيش السوداني، الذي أطاح ضباط منه البشير كشخص»، مضيفاً أن «المؤسسة لا تزال موجودة، وتعهدت بإنفاذ جميع التزاماتها تجاه جنوب السودان»، مذكّراً بأن رئيس المجلس العسكري، عبد الفتاح البرهان، كان قد جدّد في بيانه يوم الجمعة الماضي التزام جميع الاتفاقيات والمعاهدات المحلية والإقليمية والدولية. يضاف إلى ذلك أن «الأطراف وضعت كافة الاستراتيجيات المتعلقة بتجميع القوات، ولم يبقَ سوى مسألة التمويل والتدريب الذي سيكون تحت إشراف السودان»، بحسب نقور.