انشغلت أول من أمس وسائل الإعلام الفرنسية بوثيقة تفضح دور السلاح الفرنسي في حرب اليمن، إثر كشف تحقيق مطوّل أجراه موقع مجلة «ديسكلوز» الاستقصائية، بالتعاون مع «راديو إنتر» الفرنسي. وناقضت الوثيقة الخطاب الرسمي الفرنسي الذي ينفي وجود أسلحة فرنسية في اليمن. ويُرجع المسؤولون الفرنسيون وجود السلاح الفرنسي بحوزة القوات السعودية والإماراتية إلى أنه دفاعي وليست له أي أغراض هجومية. لكن العديد من المعلقين والكتّاب والنخب وناشطي حقوق الإنسان علّقوا على تقرير «ديسكلوز» باعتباره أسقط القناع، وكشف حقيقة الدور الفرنسي في الحرب، مثلما كتب المرشح عن «حزب الخضر» للانتخابات الأوروبية، جوليان بايو، عبر «تويتر»: «كذبة الدولة انفضحت. فرنسا متواطئة مع الحرب السعودية القذرة في اليمن. فلنتوقف عن بيع الأسلحة، على غرار ألمانيا». من جهتها، علقت مديرة منظمة «هيومن رايتس ووتش» في فرنسا، بينيديكت جانيرو، عبر «تويتر» قائلة: «لا يمكن الحكومة الاستمرار في إنكار تواطئها في جرائم حرب»، داعية فرنسا إلى «وقف مبيعاتها إلى بلدان التحالف السعودي الإماراتي والتعامل بشفافية كاملة». وكالعادة، تتملص الحكومات الغربية من التبعات القانونية والإنسانية لمشاركة بلادها في الحرب على اليمن، سواء من خلال الحضور الفني المباشر لقواتها، أو من خلال استخدام السلاح في قتل المدنيين وإيقاع مجازر ضد الشعب اليمني. ففي رد مكتوب صادر عن مكتب رئاسة الوزراء يوم الاثنين، أكدت الحكومة الفرنسية أن «الأسلحة الفرنسية المملوكة لأعضاء التحالف موضوعة على حدّ علمنا بأكثريتها في مواقع دفاعية خارج الأراضي اليمنية أو في مواقع تابعة للتحالف، ولكن ليس على خط الجبهة». كذلك نفت رئاسة الحكومة الفرنسية علمها «بسقوط ضحايا مدنيين جراء استخدام هذه الأسلحة على مسرح الأحداث في اليمن».
تقرير «ديسكلوز» أثار نوعاً من الاستغراب في أوساط النخبة الفرنسية، رغم أنها ليست المرة الأولى التي يُشكف فيها عن الدور الفرنسي في اليمن. فقد جرى الحديث في وقت سابق عن مذكرة استخبارية فرنسية تحدّد من يستخدمون الأسلحة الفرنسية في الحرب، ومدى تأثيرها على السكان المدنيين. ومع أن التقرير الأخير أثار زوبعة إعلامية في الوسط الفرنسي، إلا أن ذلك لن يغير، على الأغلب، من حقيقة أن العدوان على الشعب اليمني منذ لحظاته الأولى جاء بقرار ومشاركة غربية. ولا تزال هذه الدول الكبرى تنخرط وفق أدوار ومهمات موزعة عليها، وعلى رأس تلك الدول: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
عمدت باريس إلى تغليف مشاركتها في الهجوم على الحديدة بذريعة نزع الألغام


كما يُذكر أن الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، وأيضاً الخبراء الفنيين، على علم بحجم الانخراط الغربي في الحرب من خلال تطور القدرات الفنية الدقيقة للطيران الحربي التابع لكل من السعودية والإمارات، وهي قدرات لم تكن موجودة قبل الحرب. وقد تميز سلاحا الجو السعودي والإماراتي، في العمليات الأخيرة خصوصاً، في الحديدة، بقدرات فنية تصل إلى حد ضرب أهداف صغيرة متحركة (شخص واحد مثلاً)، من خلال الطائرات الحربية مباشرةً (رؤية ورماية)، وهي قدرات كانت حتى وقت قريب محصورة في سلاح الجو الإسرئيلي، واستُخدمت للمرة الأولى إبان عدوان تموز عام 2006 على لبنان، فيما كثف الطيران الإسرائيلي استخداماتها في عدوانه المتكرّر على غزة.
تَحذر الحكومة الفرنسية من إشهار انخراطها في الحرب على اليمن، إلا أنها عمدت إلى تغليف مشاركتها في الهجوم على الحديدة، إلى جانب القوات الإماراتية، بذريعة نزع الألغام من الممرات البحرية حول ميناء الحديدة (وهي المرة الأولى التي تجاهر فيها باريس بالمشاركة في العمليات العسكرية)، في دور اختارته وزارة الدفاع الفرنسية للتخفيف المسبق من توقع حدوث مجازر بحق المدنيين. وقد علّل الفرنسيون المشاركة في هجوم الحديدة بأنهم ليسوا في الخنادق ولا في الاقتحام البحري أو الجوي، ولا في الحصار على اليمن، بحسب قول وزارة الدفاع. لكنهم سينزلون بحر الحديدة لتنظيفه من الفخاخ والألغام بمجرد اقتحام الإماراتيين للبرّ. وزارة الدفاع الفرنسية اضطرت لإعلان عمليتها «الإنسانية» المزعومة، بعدما كشفت صحيفة «لو فيغارو» عن مشاركة وحدات من القوات الخاصة الفرنسية في الهجوم على الحديدة.
إلى ذلك، فضح الهجوم على الحديدة مزاعم الفرنسيين عن أن وظيفة سلاحهم لدى كل من السعودية والإمارات هي استخدامه في المواقع الدفاعية من خلال مشاركة دبابات «لوكلير» في الهجوم الأخير نهاية العام الماضي، بالإضافة إلى مشاركة طائرات «ميراج 2000 – 9». أما جهاز توجيه الغارات الفرنسي «ديموقليس (تاليس)»، فهو «قد يكون مستخدماً» في هذا النزاع أيضاً، بحسب مديرية الاستخبارات العسكرية الفرنسية. وأظهرت المذكرة أن سفينتين فرنسيتي الصنع «تشاركان في الحصار البحري»، الذي يعرقل تموين السكان بالمواد الأساسية اللازمة، وتسهم إحداهما «في مؤازرة العمليات البرية على الأراضي اليمنية».
يُشار إلى أن فرنسا ثالث أكبر بائع للأسلحة في العالم، وأحد المُموّلين المفضّلين لدى المملكة العربية السعودية وحلفائها، الذين تزودهم بأسلحة وتكنولوجيا متقدمة. وأبدت العديد من المنظمات الدولية قلقها من مسألة بيع السلاح الفرنسي للسعودية، متهمة فرنسا بانتهاك معاهدة الأمم المتحدة لتنظيم تجارة الأسلحة الدولية، وتجاهل التزاماتها من خلال الاستمرار في توريد الأسلحة، حتى عندما يكون هناك خطر حقيقي من أنها ستسبب انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان.