عام 2014، خُطف ثلاثة مستوطنين إسرائيليين في مدينة الخليل، جنوبي الضفة المحتلة، قبل أن يُقتلوا وتجد الشرطة الإسرائيلية جثثهم بعد 18 يوماً من اختفائهم، داخل مغارة قرب بلدة حلحول. كان هدف العملية التأثير في القيادة الإسرائيلية من أجل الاستجابة لمطلب 300 أسير أضربوا لأكثر من 50 يوماً عن الطعام احتجاجاً على اعتقالهم الإداري، إضافة إلى عشرات آخرين يرفض العدو الإفراج عنهم منذ عشرات السنين. ردّ الأخير بشنّ عدوان على قطاع غزة، وبسلب الأسرى عدداً من الحقوق التي ناضلوا من أجلها طويلاً واستطاعوا نيلها بعدما خاضوا الإضرابات والمعارك ضدّ «مصلحة السجون».لليوم الثاني على التوالي، يخوض الأسرى أنفسهم إضراباً جديداً اسمه «معركة الكرامة 2» لإعادة الوضع في السجون إلى ما كان عليه قبل 2014. وحتى نهار الأحد الماضي، كانت قيادة الحركة الأسيرة قد توصلت مع «مصلحة السجون» إلى اتفاق يجري بموجبه تركيب هواتف عمومية ليتسنى للأسرى الاطمئنان إلى ذويهم وعائلاتهم بدلاً من تهريب الهواتف، وإلغاء العقوبات المالية المتمثلة بسلب «المصلحة» أكثر من 50 ألف دولار من أموال «الكانتينا» التي يحوّلها أهالي الأسرى إلى حسابهم في السجن (بعدما اعتدت وحدات القمع الإسرائيلية قبل أسبوع على الأسرى، قررت إدارة السجن خصم 130 دولاراً من كل أسير كعقاب).
أيضاً، كان الحوار قد انتهى إلى إعادة السماح بزيارة أهالي أسرى غزة، ولكن «مصلحة السجون» ـــ كما في كل مرّة ـــ حاولت الالتفاف على الاتفاق، بتعهّدها بتطبيقه بعد سنة من التوصل إليه وليس فوراً. ولأن الأسرى اختبروا هذه الأساليب سابقاً، قرروا فضّ الحوار، والبدء بالإضراب بطريقة عُرفت في ثمانينيات القرن الماضي باسم «إضراب الفدائية»، وهو ما نقلته أمس «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» التي قالت إن «إدارة السجون لم تستجب لمطالب الحركة الأسيرة».
وفق مصادر، تخوض المرحلةَ الأولى من «إضراب الفدائية» أو الإضراب التدريجي قياداتُ الحركة الأسيرة من كل الفصائل، ثم ينضمّ أسرى آخرون في غضون الأيام القريبة وصولاً إلى الـ17 من الشهر الجاري، الذي يتزامن مع «يوم الأسير الفلسطيني». وهنا، سينضمّ عدد كبير من الأسرى، كما سيسبق ذلك يوم للإضراب عن الماء. الخطوات التصعيدية لن تتمثل فقط بالإضراب عن الطعام ورفض الوجبات، بل برفض الخروج إلى باحة السجن، والامتناع عن تناول الأدوية. وقد انضمّ أمس نحو 250 أسيراً إلى الإضراب، ليرتفع عدد المضربين إلى 400 وفق «نادي الأسير».
أعلنت «القسام» تغيير طريقة معاملتها الجنود الإسرائيليين الأسرى


من بين المضربين، المقاومون الذين اغتالوا وزير السياحة الإسرائيلي، رحبعام زئيفي، وفي مقدمتهم عاهد أبو غلمي، وهو أحد قادة «الجبهة الشعبية»، وتتهمه إسرائيل بالمسؤولية عن التخطيط لهذه العملية. وفاء يوسف، زوجة أبو غلمي، قالت إن «الإضراب الحالي يهدف إلى إعادة الوضع داخل السجون إلى ما كان عليه قبل 2014، فقد وصل إلى ذروته إثر تركيب أجهزة تشويش داخل بعض الأقسام في السجون»، مضيفة أنه «عُقدت أكثر من جلسة حوار مع مصلحة السجن، لكن الأخيرة رفضت إزالتها، فيما اتُّفق على تأجيل تركيب الأجهزة في بقية الأقسام إلى يونيو (حزيران) المقبل». وقالت يوسف، لـ«الأخبار»، إن «النقاط التي أفشلت الاتفاق تمثلت بشروط معيّنة حاولت فرضها إدارة السجن على طريقة الاتصال من الهواتف العمومية، وفي النهاية تنصلت من الاتفاق كله».
ورداً على سؤال بشأن التخوّف من أن يفشل الإضراب كما حدث في 2017، قالت يوسف إن «قرار الإضراب في الوقت الحالي هو نتيجة المضايقات والهجمة الشرسة من المستوى السياسي الصهيوني على الأسرى داخل السجون، وقد قرر هؤلاء أن المعركة الحالية هي أن نكون أو لا نكون... توجد تخوفات تتمثل في احتمال عدم مشاركة الجميع، أو أن تكون هناك تدخلات خارجية كالمستوى السياسي في السلطة الفلسطينية التي قد تحاول التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل على حساب مصلحة الأسرى».
وتزامناً مع بدء الإضراب أمس، وجّه المتحدث باسم «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، «التحية إلى أسرانا في معركة الكرامة 2، ونقول لهم إننا نحمل همّكم فعلاً لا قولاً، ونضع قضيتكم فوق كل اعتبار»، معلناً أن «المعاملة التي تلقاها الجندي (المفرج عنه جلعاد) شاليط سابقاً لدى المقاومة، التي يعلمها العدو جيداً، لن تتكرر مع أسراه لدينا أمام استمراره في التنكيل بالأسرى وذويهم». وأضاف أبو عبيدة: «أمام ما يعانيه أسرانا من بطش المحتل وغطرسته، أعطت قيادة القسام توجيهاً إلى وحدة الظل (المسؤولة عن الأسرى الإسرائيليين) بالضغط على أسرى العدو معاملةً بالمثل وانتصاراً لأسرانا الأبطال».