القاهرة | لم تكتسب المعارضة المصرية حتى الآن قدرة على إدارة التعامل مع النظام الحاكم، فوقعت في الفخ الذي نصبه بشأن التعديلات الدستورية، هادفاً إلى إضفاء الشرعية على التعديلات التي ستمر باستفتاء شعبي الشهر المقبل، لتمنح الرئيس عبد الفتاح السيسي فرصة البقاء في السلطة حتى 2034 عبر تعديل مدة الولاية الرئاسية. المعارضة، التي لم تطلب التعديل أو حتى توافق عليه، استدعاها البرلمان ضمن جلسات الحوار المجتمعي الست التي عقدت في مجلس الشورى على مدار عشرة أيام. جلساتُ استماع لمختلف الأطياف، شاركت فيها المعارضة الممنوعة من الظهور الإعلامي أو الحضور الشعبي، للاستماع إلى آرائها التي جاءت في مجملها رافضة لبند تمديد الرئاسة، إذ يحق بموجبه للسيسي الترشح مجدداً في انتخابات 2022، مع ترحيب ببعض التعديلات الأخرى مثل «الكوتا» المخصصة للمرأة.ونصبت الدولة الفخ لمعارضة تعاني من هشاشة وفقدان تنظيم سياسي في اتخاذ القرار، وتَمثل ذلك في دعوتها، وتصوير جلسات الحوار، ثم بثها عبر التلفزيون المصري مقتطعة من سياقها، لتظهر نقاط الموافقة على بعض التعديلات، مع تجنب بث أي معارضة لمدة الرئاسة. أكثر من ذلك، سارعت جهات سيادية إلى ترجمة المقاطع إلى الإنكليزية والفرنسية لإرسالها إلى السفارات، ومخاطبة المجتمع الدولي لاحقاً بديموقراطية التعديلات والاستفتاء اللاحق. في الوقت نفسه، لم تحصل المعارضة على ضمانات حقيقية تؤكد الاستماع إلى آرائها أو على الأقل وجود استجابة جزئية، إذ هرول من تبقى منها خارج السجون جبراً للحديث أمام رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، لكنهم أغفلوا أن وجودهم لم يكن سوى جزء من ديكور ترغب الدولة فيه لتجنب الانتقادات. وكانت لافتة عودة رموز من نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في البرلمان لحضور الجلسات بوصفهم من الشخصيات العامة!
مرت جلسات الحوار كأنها «نموذج للتحاور الراقي»، بعدما نفذت الحكومة استراتيجية استهلاك الوقت بفعالية، فلم يعترض عبد العال خلال الجلسات على إسهاب أي من الأعضاء، ولم يبدِ تحفظاً على أي مقولات، مكتفياً بمداخلات لتأكيد أمرين هما، أن التعديلات ليست تفصيلاً للسيسي، وأن الرئاسة لم تتواصل مطلقاً معه أو مع أي من المسؤولين عن الحوار لإملاء رأي معين. كما شدد على أن التعديلات هدفها المصلحة العامة، وأن قرار بقاء السيسي في السلطة بعد 2022 يرجع إلى رغبته الشخصية، إذ لا يمكن أن يستمر في الرئاسة من دون أن يقدم أوراق ترشحه مجدداً.
رفض أحد القضاة طلباً بالتظاهر أمام البرلمان للاعتراض على التعديلات


المناضل كمال أبو عيطة، الذي شغل منصب وزير القوى العاملة بعد «ثورة 25 يناير»، تحدث عن وجود تشابه بين التعديلات الحالية بشأن ولاية الرئاسة، والتعديلات التي جرت على الدستور في 2007، وكان ظاهرها الرغبة في التعددية، لكنها في الواقع لم يمكن تطبيقها إلا على جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع، الذي كان يؤهله والده لخلافته في الحكم. في المقابل، دافع رئيس مجلس النواب عن مسألة مدة الرئاسة بأحقية المواطن في ممارسة حقوقه السياسية بالترشح والانتخاب، ما لم يوجد ما يمنعه من ذلك، أو يضرّ بمصالح البلاد. وجاء الإجماع من الأحزاب المؤيدة للسلطة على تعديل سنوات الرئاسة لتكون ما بين 5 أو 6، علماً بأن البرلمان يتجه إلى اعتمادها بـ 6.
وجاءت الآراء متباينة حول الموقف النهائي من التعديلات في نقاط أخرى، من بينها اختصاصات «مجلس الشيوخ»، و«كوتا» المرأة التي طالب البعض باقتصارها على «الشيوخ» فقط، بينما طرحت آراء عن بقاء «الكوتا» لدورتين فقط اعتباراً من الانتخابات المقبلة. كما وُجهت دعوات إلى جميع الشخصيات العامة التي لا تزال خارج الحبس للمشاركة في الحوار، فيما تمسك «حزب النور» السلفي باعتراضه على التعديلات بشأن حفظ الجيش الحياة المدنية، المنصوص عليها في تعديلات المادة 200.
وخلال الأسبوع الماضي، سلمت «الحركة المدنية» المعارِضة لتعديل الدستور مذكرة احتجاج لـ«المجلس الأعلى للإعلام» ضد حجب الرأي الآخر في الإعلام المملوك للدولة، والمطالبة بحصة متكافئة لتمثيل معارضي التعديل إعلامياً، مع تسليمها «الهيئة الوطنية للانتخابات» مذكرة احتجاج على بدء الاستعداد لاستفتاء على إقرار التعديلات قبل إقرار مجلس النواب لها نهائياً، وهو ما يشكك في معايير نزاهة الاستفتاء. كذلك، قٌدّمت مذكرة إلى «مجلس القضاء الأعلى» للمطالبة بعدم الاعتداد بتقارير الأمن كأدلة للحبس الاحتياطي بغير ضوابط، مع رسالة أخرى إلى «المجلس القومي لحقوق الإنسان» بشأن الانتهاكات السياسية والأمنية المصاحبة للانقلاب على الدستور.
رغم هذا الحراك، أصدر قاضي «محكمة الأمور الوقتية» قراراً برفض إقامة وقفة احتجاجية أمام مجلس النواب لمعارضي التعديلات الدستورية، كما لم يُسمح بتنظيم تجمعات جماهيرية في الشوارع لإعلان رفض التعديلات.
من جهة أخرى، طالبت القوى المدنية (من بين قياداتها المرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي) بضرورة تجميد «حالة الطوارئ» طوال مناقشة التعديلات حتى إجراء الاستفتاء وإعلان نتائجه النهائية، إضافة إلى وقف حملات الاعتقال، والإفراج عن المعتقلين السياسيين على ذمة قضايا تتعلق بالاعتراض على تعديل الدستور، وغيرهم من المعارضين السلميين، والسماح بإدارة «حوار مجتمعي حقيقي حول تلك التعديلات تشارك فيه الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ونواب البرلمان بحرية مع جمهورهم ومع جميع المواطنين».
وطلبت القوى أيضاً تمكينها من الوصول إلى الشعب لشرح وجهة نظرها في رفض التعديلات، مع ضمان نزاهة الاستفتاء بتوفير إشراف قضائي كامل على كل المراحل، ومنع أجهزة الدولة التنفيذية من «التدخل في التصويت أو إرهاب المواطنين أو إجبارهم على التصويت بغير إرادتهم»، وكلها مطالب لم تجد استجابة سوى في تصريح ضمني من رئيس البرلمان عندما تحدث عن سعيه للإفراج عن المحبوسين من معارضي التعديلات قريباً.