يكرر لعمامرة، في كل محطاته الدولية، الطروحات نفسها التي تؤكد أن الرئيس بوتفليقة لن يترك السلطة إلا بتسليمها لرئيس منتخب جديد، ما يعني عملياً بقاء الرئيس لسنة أو اثنتين إضافيتين، في تحدٍّ واضح للمتظاهرين المصرّين على رحيله سريعاً. ولعلّ أكثر الزيارات إثارة للجدل، تلك التي قادت لعمامرة إلى موسكو، وحذّر فيها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من مغبة ضرب استقرار الجزائر، والتدخل في شؤونها، وهو ما فُهم داخلياً في الجزائر على أنه تأييد ضمني لبقاء الرئيس بوتفليقة، وبالتالي ولّد ردود فعل ساخطة. وقد أشار الدبلوماسي والوزير السابق، عبد العزيز رحابي، إلى أن تصريحات لافروف «هي في عينها التدخل الذي يحذر منه»، معتبراً موقفه «تأييداً لمصادرة إرادة الشعب الجزائري». ودفع هذا التصعيد، الخارجية الروسية، إلى الرد، ونفي أن يكون الرئيس الجزائري قد طلب أي دعم من روسيا لمواجهة الحراك الشعبي.
كثيراً ما يتحسّس الجزائريون من فرنسا التي تمتلك «لوبياً» قوياً في بلدهم
بخلاف الرأي المتقدم، يقول سفير الجزائر السابق في بروكسل، حليم بن عطاء الله، في حديث مع «الأخبار»، إن روسيا باعتبارها قوة عظمى تزود الجزائر بكل احتياجاتها من السلاح، تحتاج في هذا الوقت إلى سماع ضمانات من مسؤول جزائري على أعلى مستوى. ويشير إلى أنْ ليس من عادة روسيا التدخل في الشأن الجزائري، لكن يبدو أنها انزعجت من تركيز السلطات الجزائرية على تفضيلها التوجه أولاً إلى فرنسا (أول تصريح لوزير الخارجية بعد تنصيبه كان مع إذاعة فرنسية)، وإغفال الحليف الروسي الذي تربطه علاقات وثيقة وتاريخية بالجزائر. وبالفعل، يبدو أكثر ما يتحسّس منه المحتجون، حالياً، دور فرنسا (التي كانت تستعمر الجزائر وتمتلك فيها نفوذاً كبيراً حتى اليوم)، وهو ما بدا في ردود الفعل الغاضبة على تدخل الرئيس الفرنسي في الشأن الداخلي للبلاد في أول تصريحاته حول الحراك الشعبي، عندما طلب أن تكون المرحلة الانتقالية «في أقصر وقت»، إذ رفع الجزائريون لافتات تطلب من إيمانويل ماكرون أن يهتم «بستراته الصفر» بدل الانشغال بالجزائر. ومن ذلك الحين، بدأت النبرة الفرنسية تتغير مع مرور الأسابيع، من تأييد مطلق للولاية الخامسة، ثم خطة بوتفليقة الانتقالية، إلى النأي عن التدخل في شؤون الجزائر، و«ترك المسألة في يد الشعب الجزائري» كما قال بيان وزارة الخارجية الفرنسية الأخير. فالرئيس ماكرون فهم أن تدخله في الجزائر غير مرغوب به، وعبر عن ذلك في حواره قبل أسبوع مع المثقفين الفرنسيين، بقوله إنه لا يستطيع أن يتحدث عن الملف الجزائري، لأن أي كلمة سيقولها ستُفهم على أنها تدخل في شأنهم الداخلي.
وتُبيح السلطات الفرنسية لنفسها التدخل في الملف الجزائري، انطلاقاً من مخاوف النخبة السياسية من موجات هجرة كبيرة نحو فرنسا في حال تداعى الاستقرار في الجزائر. كذلك فإن رحيل السلطة الحالية، التي تعيش معها فرنسا «شهر عسل»، كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس، يمكن أن يأتي ببديل مجهول بالنسبة إلى باريس قد يضرّ بمصالحها الكبيرة في هذا البلد؛ إذ إنّ فرنسا من أكبر موردي القمح والحليب والسيارات والمواد المصنعة إلى الجزائر، بمجموع صادرات تصل إلى 7 مليارات يورو. لكن الجزائريين كثيراً ما يتحسّسون من فرنسا، التي يرون أنها تمتلك «لوبياً» قوياً في البلد يحاول توجيه الاقتصاد وإبقاءه تابعاً لها، فضلاً عن أجنداتها في إبقاء اللغة الفرنسية مُهيمنة في الإدارة ومؤسسات الدولة الكبرى.
وفي هذا الصدد، يشير الدبلوماسي، حليم بن عطاء الله، إلى أن لعمامرة بدا أنه فهم الرسالة، بعدم إدراج فرنسا في جولته الأوروبية، معتبراً تفضيله زيارة ألمانيا تكتيكاً يقضي بالتوجه إلى أكبر دولة أوروبية، وتقديم رسائل لها لنقلها إلى باقي حلفائها، خصوصاً أن القنوات الجزائرية الفرنسية بعيداً عن أضواء الكاميرات لم تكن يوماً مغلقة.