في منتصف شباط/ فبراير 2019، سافر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى وارسو للمشاركة في مؤتمر غير عادي أبداً. تحت رعاية نائب الرئيس مايك بنس، التقى وزير خارجية كل من السعودية والإمارات، واثنين آخرين من الدول الخليجية التي لا تملك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. العنصر الرئيسي على الأجندة كان احتواء إيران. لم يكن هناك أي فلسطيني. معظم الصلات بين إسرائيل والخليج أبقيت سرية ــــ لكن هذه المحادثات لم تكن كذلك. في الواقع، سرّب مكتب نتنياهو فيديو عن الجلسة المغلقة، مُحرجاً بذلك المشاركين العرب. الاجتماع أظهر علناً الحقيقة اللافتة، وهي أن إسرائيل، وفق ما كان نتنياهو شديد الحرص على إعلانه، تفوز بقبول نوعي من قبل الدول الأغنى في العالم العربي (...)، هذا التقارب غير المسبوق كان مدفوعاً بشكل أساسي بالعداء المشترك تجاه إيران، وبالسياسات المدمّرة لدونالد ترامب.
الدليل في تصاعد مستمر بشأن تزايد العلاقة الوثيقة بين إسرائيل وخمس من ستة أعضاء في «مجلس التعاون الخليجي» ــــ الذين لا يملك أي منهم علاقات رسمية مع الدولة اليهودية. ترامب ألقى الضوء على التغيّر المتسارع خلال زيارته الخارجية الأولى كرئيس ــــ للعاصمة السعودية الرياض ــــ من خلال السفر مباشرة بعدها إلى تل أبيب. الآمال بمساعدة السعودية في «صفقة العصر» لإنهاء الصراع الإسرائيلي ــــ الفلسطيني تبدّدت منذ ذلك الحين. رغم ذلك، يسعى نتنياهو إلى تطبيع العلاقات مع السعودية. وكان هناك أقاويل عن اجتماع علني بينه وبين محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي ألقي اللوم عليه بشكل كبير في الجريمة الوحشية التي تعرّض لها الصحافي جمال خاشقجي في تشرين الأول.
خطة لعبة نتنياهو هي ترقية العلاقات مع الخليج وأبعد من ذلك، وبالتالي إخضاع الفلسطينيين للتهميش والضغط. «ما يحصل مع الدول العربية لم يحصل في تاريخنا أبداً، حتى عندما وقّعنا اتفاق السلام»، في صيغته المصقولة بعناية. «التعاون بطرق مختلفة، ومستويات مختلفة، ليس مرئياً على السطح بالضرورة، ولكن ما هو تحت السطح أعظم بكثير من أي وقت آخر». وكما أوضح مستشار نتنياهو السابق للأمن القومي، دوري غولد، بابتسامة، فإن هذه الكلمات «صيغت بعناية فائقة لإعطاء رسالة إيجابية».
هناك أيضاً اعتراف براغماتي في العواصم الخليجية بفوائد الصلات الأمنية، التكنولوجية والاقتصادية، مع إسرائيل القوية بلا منازع ــــ ليس فقط لمصلحتهم الخاصة، ولكن أيضاً بسبب موافقة الولايات المتحدة على ذلك. «هناك شك في ما إذا كانت المساعدات (الأميركية) للدول العربية ستستمر من دون دعم آيباك (مجموعة الضغط الأساسية الداعمة لإسرائيل) والمنظمات اليهودية»، يشير إيران ليرمان، نائب الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي.
ولكن على الرغم من هذه الدعاية الحديثة، فإن الدليل القوي على العلاقات الإسرائيلية مع الدول الخليجية لا يزال نادراً، لأنها تبقى سرية بشكل كبير. الروابط الأكثر وضوحاً هي مع دولة الإمارات، حيث تتمتع إسرائيل، بشكل فريد، بحضور دبلوماسي في مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبو ظبي، على الرغم من أن البلدين يؤكدان أنهما لا يملكان علاقات ثنائية. أفي غباي، قائد «حزب العمّال» المعارض، أجرى محادثات في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. يُعتقد بأن نتنياهو التقى قادة إماراتيين في قبرص في عام 2015 لمناقشة كيفية التعامل مع إيران. ولكن العلاقات السرية بين الدولتين كانت روتيناً منذ منتصف التسعينيات ــــ البعض منها جرى توثيقه في البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي نشرها «ويكيليكس».
هذه العلاقات «تحت الطاولة» عانت نكسة خطيرة عام 2010، عندما اغتال فريق تابع لـ«الموساد» المسؤول في «حماس» محمود المدبوح، في فندق في أبو ظبي. منع الإماراتيون أي شخص يعرف بأنه إسرائيلي من دخول البلد، حتى لو كان مسافراً عبر جواز سفر أجنبي. ولكن لم يمر وقت طويل قبل استئناف العلاقات السرية والتجارية. في عام 2013، تحدث الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز من القدس عبر الأقمار الاصطناعية مع 29 وزيراً أجنبياً، من الدول العربية والمسلمة التي كانت تشارك في مؤتمر أبو ظبي.
الإسرائيليون انضمّوا، سراً، إلى تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات الإماراتية، في الولايات المتحدة واليونان، منذ عام 2016. العام الماضي، أفيد بأن عناصر عسكريون إماراتيون زاروا قاعدة عسكرية إسرائيلية لمراجعة العمليات التي تقوم بها الطائرات المقاتلة الأميركية «أف ــــ 35»، رغم أنه جرى نفي ذلك من قبل إسرائيل. يُعتقد بأن التعاون السري يتضمّن المراقبة الاستخبارية الإسرائيلية لإيران، وبيع طائرات من دون طيار إسرائيلية مستخدمة في الحرب على اليمن.
الخوف من إيران، فوق كل شيء، هو ما جمع إسرائيل والدول الخليجية. الريبة من طهران تعود إلى الثورة الإيرانية عام 1979، لكنها تكثّفت خلال العقدين الأخيرين.
نقطة التحوّل الرئيسية كانت الحرب بين إسرائيل وحزب الله عام 2006. السعوديون والإسرائيليون «لديهم مصلحة مشتركة في تسديد ضربة خطيرة لحزب الله وإيران»، وفق رأي دانيال كورتزير الذي كان سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، حتى العام الماضي.
الدبلوماسية السرية بين إسرائيل والدول العربية الموالية للغرب تكثّفت. في منتصف أيلول / سبتمبر 2006، سافر رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، إلى العاصمة الأردنية عمّان، حيث التقى الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي لفترة طويلة في واشنطن، والمعروف بـ«بندر بوش» بسبب علاقته القريبة من العائلة الرئاسية.
أحد المسؤولين الإماراتيين السابقين أخبرني بأن التهديد من قبل إيران يحمل التأثير الموحِّد المشابه لاجتياح صدام حسين للكويت في عام 1990، الذي أدى إلى الوجود العسكري السابق وغير المقبول في السعودية. «لم يكن من أجل القضية الفلسطينية»، قال الدبلوماسي السابق، «العلاقة مع إسرائيل قد تكون علنية جداً، وقد يكون مرحّباً بها جداً، لأننا نجتاج الى معدّاتهم وتقنيّاتهم العسكرية».
جمال السويدي، مؤسس مركز «الدراسات والأبحاث الاستراتيجية» المدعوم من الحكومة الإماراتية، يتحدّث عن الموضوع بصراحة أكبر: «القضية الفلسطينية لم تعد في طليعة الاهتمامات العربية، كما كانت طوال عقود؛ لقد خسرت أولويتها بشكل حاد على ضوء التحديات، التهديدات والمشاكل التي تواجهها الدول في المنطقة». وبالمثل، يضيف إن مسألة إسرائيل لم تكن مشابهة لـ«التهديدات التي تشكلها... إيران، حزب الله والمجموعات الإرهابية».
إضافة إلى عدم الرضى المشترك من إيران، اجتمعت الدول الخليجية وإسرائيل على عداء مشترك للأحزاب الإسلامية. وسائل الإعلام العربية والإنكليزية المرتبطة بـ«الإخوان المسلمين»، وتركيا وقطر، كشفت بشكل روتيني الصلات الإماراتية بإسرائيل.
التجارة الإسرائيلية مع الدول الخليجية تقدّر حالياً بمليار دولار في السنة، رغم عدم وجود إحصاءات رسمية من كلتا الجهتين. الإمكانات، مع ذلك، واسعة ــــ في التكنولوجيا، وخصوصاً الأمن السايبيري، الري، اللوازم الطبية، وصناعة الألماس، من ضمن غيرها ــــ يمكن أن تصل إلى 25 مليار دولار سنوياً، وفقاً لدراسة حديثة مفصّلة.
رجال الأعمال الإسرائيليون الذي يستخدمون جوازات سفر أجنبية يسافرون بشكل منتظم إلى الإمارات، عادة على الرحلات التجارية عبر عمّان. «هناك كمّ هائل يحدث»، يقول ممثل إسرائيلي لشركة متعددة الجنسيات، يسافر إلى الدول العربية عبر جواز سفر أوروبي.
«آي جي تي» العالمية، التي يملكها الإسرائيلي ماتي كوشافي، قدّمت الأسوار الإلكترونية ومعدات المراقبة بـ 800 مليون دولار لحماية الحدود وحقول النفط الإماراتية. المسؤولون الإماراتيون يصفون هذا الأمر بأنه قرار غير سياسي حرّكته مصالح الأمن القومي.
مثل الإمارات، السعودية أشركت الشركات الإسرائيلية، بنحو سري، وخصوصاً في مجال الأمن. في عام 2012، عندما اخترق المقرصنون النظام الإلكتروني لشركة «أرامكو»، استُدعيت الشركات الإسرائيلية. أفيد بأن إسرائيل باعت طائرات من دون طيار للسعودية عبر أفريقيا الجنوبية، لكنها نفت أن تكون قد باعت نظام «القبة الحديدية» من أجل الدفاع عن المملكة من الهجمات الصاروخية من قبل المتمردين الحوثيين في اليمن. الحكومات الأجنبية المقرّبة من الدولتين تعتقد بأنهما تملكان خطاً ساخناً للطوارئ، وهما على اتصال منتظم.
(إيان بلاك، «ذا غارديان» البريطانية)