بغداد | انحصار المعركة ضد تنظيم «داعش» في بلدة الباغوز شمال شرق سوريا، لا يعني انتهاء التهديد الذي يمثله التنظيم، سواءً على المقلب السوري أو العراقي، بل إن قرب حسم المعركة قد ينذر بارتدادات خطيرة، خصوصاً في المناطق التي لا يسهل «تطهيرها» بشكل كامل. العمليات التي نفذها «داعش»، أخيراً، أراد من خلالها إيصال رسالة بأنه ما زال قادراً على «الإيلام»، مثلما حدث قبل أيام مع سقوط 6 مقاتلين وإصابة 31 آخرين من منتسبي «الحشد الشعبي» في كمين على طريق مخمور ـــ الموصل. وهي عملية أعقبها أمس سقوط أربعة قتلى وإصابة مثلهم آخرين في انفجار في حي المثنى، في القاطع الشرقي (الساحل الأيسر) من مدينة الموصل (لم تتبنّ أي جهة أياً من الحادثين، إلا أن أصابع الاتهام فيهما وُجّهت إلى التنظيم).هذه الاختلالات الأمنية، المستمرة منذ إعلان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، في كانون الأول/ ديسمبر 2018، «النصر» على «داعش»، يراها البعض طبيعية في مرحلة أفول نجم التنظيم، لكنّ آخرين يرون أن «داعش ما زال قوياً... أعاد تنظيم نفسه مجدداً، والخطر يدق أبواب مناطق جديدة»، وفق عضو «المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق» علي البياتي. ولا يستبعد البياتي، في إطار تحليل «حادثة طوزخورماتو»، أن «يكون كميناً مدبراً، وهنالك من ساعد على ذلك من داخل الدولة العراقية، أو أن التنسيق بين الوحدات والتشكيلات العسكرية مفقود تماماً، فلو أبيد فوج بالكامل في أي مكان في العراق، لا يمكن الوصول إليهم إلا بعد يوم».
«نظرية» البياتي حول «عودة داعش» تعزّزها تصريحات للقائد البارز في «قوات البيشمركة»، الفريق بابكر زيباري (شغل منصب رئيس أركان الجيش العراقي من 2003 حتى 2015)، الذي توقع «عودة نشاط داعش في المناطق المنحصرة بين وادي حوران في محافظة الأنبار، وجنوب محافظة كركوك (يقع قضاء طوزخورماتو جنوبي كركوك)». وقال زيباري، في تصريحات صحافية، إنه «من الحدود السورية مع العراق، مروراً بوادي حوران، ووصولاً إلى جنوب كركوك، ثمة أماكن صعبة ووعرة، يوجد فيها عناصر داعش من العراقيين، وقد انضمّ إليهم مؤخراً انتحاريون»، مشيراً إلى أن «الهجوم الذي استهدف الحشد في طوزخورماتو هو جزءٌ من العمليات والهجمات المسلحة لداعش في تلك المناطق، والتي لم تنتهِ بعد».
من جهتها، تؤكد مصادر «الحشد» أن عمليات «تطهير» المناطق التي خضعت لسيطرة «داعش» مستمرة، متحدثة عن عمليات جديدة، بالتعاون مع القوات العسكرية والأمنية الأخرى، ستتركّز على المناطق النائية أو غير المأهولة، حيث يمكن أن تنشط خلايا التنظيم. وتضيف المصادر، في حديثها إلى «الأخبار»، أن الأيام الماضية شهدت تكثيفاً في عمليات اللحاق بتلك الخلايا، متابعة أن الأيام المقبلة ستشهد أيضاً تكثيفاً مشابهاً «حتى لا تقع قواتنا ضحية لأي استهداف». وتشير المصادر إلى أن خلايا «داعش» تحظى برعاية «مجهولة» تمكّنها من إعادة إنتاج نفسها بنفسها، إضافة إلى ما تسمّيه «ترويجاً إعلامياً كبيراً»، إما بدافع الهاجس الأمني وإما لحسابات سياسية. وفي هذا الإطار، يتهم الأمين العام لـ«حركة عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، السفارة الأميركية في بغداد بـ«التبشير بجيل جديد من داعش، مع التمهيد لإيجاده فعلياً».
وإلى جانب العمل الميداني ضد التنظيم، ثمة عمل سياسي في الاتجاه نفسه، متمثل في «الاستمرار في الضغط على الحكومة لإتمام خطة أمنية للمرحلة المقبلة» وفقاً لما تقوله المصادر عينها. وهو ضغط يلازمه تحذير دائم من نيات واشنطن التي حاولت استثمار الانتصارات لصالحها، الأمر الذي جدّد التشديد عليه أمس زعيم تحالف «الفتح» هادي العامري، بالقول إن «دور التحالف الدولي جاء بعد القضاء على داعش... لقد كان متأخراً، و بعد أن بان النصر»، منبهاً إلى دور الماكينة الإعلامية «التي تعمل على استهداف العراق، والتي لا تقلّ خطراً عن الإرهاب الداعشي».