كشفت إسرائيل، عبر إعلامها، تفاصيل من «صفقة القرن» الأميركية المنوي إعلانها بعد الانتخابات الإسرائيلية. الكشف الذي ورد أمس في صحيفة «يسرائيل هيوم» يتعلق تحديداً بمستقبل مدينة القدس المحتلة وكيفية تقسيم السيادة عليها، مع انحياز أميركي واضح إلى جانب إسرائيل، على حساب الحقوق الفلسطينية.ورد في تقرير الصحيفة أن صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، ينوي الكشف عن «الصفقة» بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية وقبل تشكيل الحكومة، كي تكون بنداً أول في تشكيل الائتلاف بين الأحزاب المنضوية في الحكومة المقبلة، الأمر الذي يدفع كل المشاركين فيها إلى اتخاذ موقف مكتوب من الخطة الأميركية بشكل يحول دون إمكانية التهرّب منها، مراهناً بذلك على إمكانية تمريرها لدى الجانب الإسرائيلي.
وتفرّق «الصفقة» في المبدأ بين منطقة القدس الأردنية (الحدود التي كانت عليها قبل عام 1967)، ومساحتها نحو 6 كيلومترات مربعة، والمناطق التي ضمتها إسرائيل إلى النطاق البلدي للقدس من خارجها، والبالغة مساحتها أكثر من 64 كيلومتراً مربعاً، إضافة إلى 28 قرية مجاورة لم تكن في الأساس جزءاً من المدينة.
على ذلك، جرى التقسيم الشكلي (المغلوط) بنقل المدينة وأحيائها الرئيسية إلى السيادة الإسرائيلية، بما يشمل المستوطنات اليهودية التي استُوليَ على الأراضي المقامة عليها بعد 1967، ويستوطن فيها 220 ألف يهودي، فيما تُنقل إلى السيادة الفلسطينية أجزاء من الدائرة الثانية من مدينة القدس الموسعة بعد عام 1967 (عملياً خارج القدس)، الأمر الذي يُعدّ طبقاً للتقرير سخاءً زائداً على سخاء مشروع تقسيم المدينة كما ورد في خطة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، في «واي ريفير» عام 2000.
ضمن هذا التقسيم، تحتفظ إسرائيل بسيادتها على معظم القدس، بما يشمل البلدة القديمة والحوض المقدس (منطقة المسجد الأقصى ومحيطها)، وجزءاً من سلوان ومنطقة جبل الزيتون ووادي الجوز والشيخ جراح وجبل المشارف، فيما تُنقل مناطق تقع في دوائر القدس الواسعة إلى السيادة الفلسطينية، مثل جبل المكبر وعرب السواحرة وأم ليسون وأم طوبا. أما الاستيطان اليهودي في القدس «الأردنية»، أي الأحياء الـ12 اليهودية المستحدثة فيها، وكذلك القرى الـ28 التي تقع في نطاق القدس الموسعة وفق القرارات الإسرائيلية بعد 1967، فتحتفظ إسرائيل بالسيادة عليها.
المفارقة أن الإسرائيليين غير متحمسين رغم السخاء الأميركي غير المسبوق


كذلك، يرد أنه قياساً بالخطط والمبادرات الأميركية السابقة، يُعدّ نهج الرئيس دونالد ترامب (صفقة القرن) أكثر سخاءً تجاه إسرائيل، سواء بالمقارنة بالخطوط العريضة لكلينتون، أو مختلف المقترحات التي نوقشت خلال عملية «أنابوليس» عام 2007 بقيادة وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس. وإذا كان كلينتون قد سعى إلى نقل السيادة الفلسطينية على جميع الأحياء العربية شرقي القدس، بما في ذلك البلدة القديمة وأحيائها (باستثناء الحيّ اليهودي وبعض المناطق الأخرى)، فإن ترامب ينقل السيادة على البلدة والحوض المقدس (الأقصى) إلى إسرائيل.
مع ذلك، يرد في الخطة مصطلح «السيادة الوظيفية» التي يشارك فيها الفلسطينيون بما يرتبط بالبلدة القديمة والأقصى، مع التشديد على أن هذه السيادة تتعلق بالمجال التشغيلي الوظيفي، التي هي في مرتبة أدنى من السيادة الكاملة التي ستبقى بلا شريك لدى الجانب الإسرائيلي. أما في ما يتعلق بالسيادة على «حائط المبكى» (البراق)، فهي لإسرائيل مطلقاً من دون أي شراكة، بما يشمل السيادة الوظيفية (الاستشارية) للفلسطينيين. وإزاء الحدود بين «القدس الإسرائيلية»، وما يسميها التقرير «القدس الفلسطينية»، تنص «صفقة القرن» على إبقاء الوضع مفتوحاً، من دون إقامة حدود مادية فاصلة تكفل حرية التنقل فيما بينهما للفلسطينيين والإسرائيليين.
هذا هو جانب من «صفقة القرن» المتعلق بمستقبل القدس وتقديمها شبه كاملة بمقدساتها وأحيائها ودورها وشوارعها إلى إسرائيل، فيما يُعطى الفلسطينيون حيزاً جغرافياً خارج القدس يُسمى «القدس الفلسطينية». المفارقة أن الإسرائيليين غير متحمسين لهذه الصفقة، رغم ما فيها من سخاء أميركي غير مسبوق فاق كل توقعاتهم، بل لم يكن في الماضي وارداً حتى في خيالهم. قد يعود ذلك إلى تطلّع حكام تل أبيب إلى إمكانات كامنة في صداقاتهم مع الأنظمة العربية، للدفع بمزيد من التنازلات عن الحقوق الفلسطينية إلى حدّ إنهائها بالمطلق. وهو تطلّع لا يخلو من منطق باتت إمكاناته واردة في الخطط والتطلعات الإسرائيلية، بما يزيد حتى على الصفقة، رغم سخائها، خاصة مع تراكض معظم الأنظمة العربية، والخليجية تحديداً، إلى الحضن الإسرائيلي، وإن كان الثمن كل فلسطين وكل القدس.