لم تترك أنقرة مناسبة منذ خرج مشروع «المنطقة الآمنة» إلى العلن إلا وأكدت فيها أنها لن تقبل بديلاً من تولّي قواتها أمن تلك المنطقة المفترضة، وضمان إبعاد عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية عن حدودها. ولا يخرج حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المكرّر في هذا الشأن، عن سياق ضغط مستمر يراعي تطورات المفاوضات المستمرة بين الجانبين التركي والأميركي، التي لم تخرج بجديد حتى الآن. أردوغان ذهب أمس إلى استعادة تفاصيل الخلافات القائمة بين بلاده والولايات المتحدة حول مصير مناطق شرقيّ الفرات، خاصة ملف الأسلحة التي وضعتها القوات الأميركية في يد «الوحدات» الكردية خلال السنوات الماضية، مذكراً بقيود تفرضها واشنطن على تسليح جيشه.هذا التعثّر في حلحلة «عقد» ملفي منبج و«المنطقة الآمنة» يقابله توترٌ يحيط بتفاهمات تركيا وروسيا وإيران ضمن إطار «أستانا/سوتشي»، مع ارتفاع منسوب التصعيد على خطوط التماس في المنطقة «المنزوعة السلاح». ورغم احتمالات انزلاق مجريات الميدان إلى أكثر من اشتباكات متقطّعة، لا تشير تصريحات المسؤولين الروس والأتراك إلى وجود نيات لكسر التفاهمات و«التهدئة» هناك. إذ خرج وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ليؤكد أن جيش بلاده ينسّق مع أنقرة ودمشق، بما يتيح «اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ بنود اتفاق سوتشي... خاصة فصل المعارضة عن التنظيمات الإرهابية». ويظهر التصريح أن الإجراءات العسكرية التي تجري تصبّ في خدمة إنفاذ «سوتشي»، لا السير في خلافه.
بالتوازي، تبدي تركيا حرصاً على تمتين تفاهماتها مع الجانبين الروسي والإيراني، رغم تصويب حليفتها الأولى، الولايات المتحدة، المستمر على «الوجود الإيراني» في سوريا، وإقرارها المتجدد بأن إضعافه واحدٌ من أهداف بقاء قواتها هناك. وكان لافتاً أمس أن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أشار إلى أن بلاده ستنفّذ «عمليات أمنية مشتركة» مع إيران ضد «حزب العمال الكردستاني». ورغم أن الحديث عن تعاون تركي ـــ إيراني ضد الحزب ليس جديداً، فإن توقيته بالتزامن مع أولوية تركيا بإبعاد «فرع الكردستاني في سوريا» (الوحدات الكردية) عن حدودها يفتح الباب أمام تعزيز التعاون في الملف السوري بين البلدين، خاصة أن أنقرة تعاني من عقدة التعاون بين واشنطن و«الوحدات» الكردية.
وفي سياق لا ينفصل عن «تفاهمات الحقل السوري»، أجمَلَ وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، الدورين التركي والإيراني ضمن الأمور «غير المقبولة» لبلاده. كلام بن زايد اللافت جاء خلال استقباله نظيره الروسي، لافروف، وترافق مع قوله إن هناك حاجة إلى «دور عربي في سوريا، في السياسة والاستقرار والأمن. ونحن لا نوافق على أساليب الحكومة السورية في القضايا الداخلية، لكننا الآن نرى توسع دور تركيا وإيران وغياباً عربياً، ونعتبر هذا غير مقبول». وأضاف في مؤتمر صحافي أمس: «نريد أن تكون سوريا جزءاً من المنطقة العربية، وقرار الإمارات فتح سفارتها في دمشق هو لبدء هذه الرحلة... نعتقد أن هذا بداية الطريق، ومشاركة جميع الأطراف ضرورية».
يأتي حديث الوزير الإماراتي في وقت أكد فيه الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن موضوع مشاركة سوريا في القمة المقبلة في تونس «لم يُطرح على الإطلاق». وفي ضوء الموقف العربيّ الملجوم أميركياً إزاء عودة العلاقات مع دمشق، كان لافتاً أمس اعتراض 20 عضواً في مجلس النواب الأردني على تحذير الملحق التجاري الأميركي في عمان للتجار الأردنيين من «توجيه تجارتهم نحو سوريا، والالتفات نحو العراق»، على حد ما نقلت وكالة «الأناضول» عن النائب وفاء بني مصطفى. وأوضحت الوكالة أن المسؤول الأميركي حذّر من أن «من سيتعامل مع سوريا بعلاقات تجارية عليه أن يتحمل تبعات ذلك».