أثارت الزيارة المفاجئة لوزير خارجية بريطانيا، جيريمي هانت، لمدينة عدن ومينائها يوم الأحد الفائت، اغتباطاً في الأوساط اليمنية والخليجية الموالية لتحالف العدوان. إذ اعتبرت المواقف الصادرة في خلالها نوعاً من القطيعة مع سعي لندن إلى تطبيق تفاهمات السويد وفق تفسيرات الأمم المتحدة، والقريبة من تفسيرات «أنصار الله». وبلغ الأمر برئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الموالي لأبو ظبي، عيدروس الزبيدي، حدّ اعتباره الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن قبل عام 1967 «شراكة بين جنوب اليمن وبريطانيا».في المقابل، نبّهت «أنصار الله» إلى أنها لا تتعامل مع بريطانيا كوسيط، على اعتبار أن المملكة المتحدة شريكة في العدوان، وفقاً لما أكده الناطق باسم الحركة، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام. لكن المستغرب ـــ بحسب عبد السلام ـــ أن المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، يبدو «مبعوثاً إنجليزياً يمثل بريطانيا، خاصة بعد توضيح وزارة الخارجية البريطانية أهدافها وموقفها بوضوح، الذي ينسجم مع عرقلة الاتفاق». ومن هنا، جاء الاتهام لبريطانيا بأنها «تدير عملية عرقلة الاتفاق عبر مبعوثها إلى اليمن تحت غطاء الأمم المتحدة»، التي «لا تتحرك وفقاً لمصالح الحل، وبعيداً عن حسابات دول الاستكبار»، مثلما قال الناطق باسم «أنصار الله».
تنظر صنعاء إلى تصريحات هانت من عدن على أنها رسالة تهديد مباشرة من الدول الغربية، بأنه بات بالإمكان استئناف العمليات العسكرية التي جُمّدت نسبياً بعد اتفاقات استوكهولم في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إن لم تبادر «أنصار الله»، في غضون أسابيع معدودة، طوعاً، إلى تسليم ما عجزت الآلة العسكرية طوال السنوات الأربع الفائتة عن انتزاعه. وهو تهديد يندرج في إطار تصعيد الضغوط المتواصلة على صنعاء من أجل حملها على الاستسلام، بعد تلمّس تمسكها بمواقفها وثوابتها على مدار الثمانين يوماً الأخيرة. لكن تلك المحاولات سرعان ما جاء الرد عليها على لسان عبد السلام، الذي شدد على أنه «لو كان المطلوب تسليم ميناء الحديدة للطرف الآخر، لما كانت هناك حاجة لوجود الأمم المتحدة أصلاً». وقبله، نبّه رئيس «اللجنة الثورية العليا»، التابعة لـ«أنصار الله»، محمد علي الحوثي، إلى أنه «لو كان اتفاق السويد ينصّ على تسليم الحديدة، لما كانت هناك ضرورة لبند إعادة الانتشار من الطرفين».
لكن الدول الغربية والسعودية والإمارات راهنت، منذ إعلان اتفاقات السويد، على إمكانية حصد مكاسب من طريق التحايل، وتفريغ تلك الاتفاقات من مضامينها، بما يرغم «أنصار الله» على تقديم تنازلات مجانية. وهو رهان ثبت فشله، تماماً كما ثبت فشل الرهانات العسكرية، الأمر الذي حمل هانت على التصريح بما كانت بلاده تبطنه، بحديثه عن ضرورة الانسحاب من طرف واحد. وفي هذا الإطار، جاء رد «أنصار الله» واضحاً وحازماً بوصفها ذلك بأنه «ليس انحيازاً فحسب، بل كذب وخداع ومغالطة لاتفاق معلن»، كما قال عبد السلام.
وإلى جانب التلويح بالعودة بالحرب إلى المستوى الذي كانت عليه قبيل كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تثير زيارة هانت لميناء عدن، الذي يعاني تسيّباً وفساداً كبيراً وفوضى أمنية، مخاوف من إعادة إشهار ورقة تحويل المساعدات من ميناء الحديدة الغربي إلى الميناء الجنوبي. وهو مخطط، إذا ما لًجئ إليه بالفعل، فسيكون الهدف الرئيس منه ترهيب بيئة «أنصار الله»، وتشديد الحصار عليها، من أجل تأليبها على الحركة. وعلى أي حال، يبدو أن ما قد يُلجأ إليه، في مرحلة أولى، هو إعادة تنفيد هجمات موضعية، تستهدف إيصال رسالة لقيادة صنعاء مفادها أن حالة التوثب لاستئناف الحرب بوتيرتها السابقة مستمرة، وأن هذا السيناريو مسألة وقت لا أكثر إذا استمرّ التصلب في موقف «أنصار الله».
والجدير ذكره، هنا، أن الدول الغربية الراعية للعدوان تنظر إلى الحديدة بوصفها ورقة قوة رئيسة، سواء في العمل على إبعاد «أنصار الله» عن المواقع الساحلية الاستراتيجية، أو ضمان ارتباط تلك المواقع بمصالح الغرب وإرادته مستقبلاً بما يسلب اليمن عناصر قوته ويمنعه من التحكم فيها، أو تحجيم «أنصار الله» في أي تسوية سياسية من شأنها رسم مستقبل هذا البلد.