حمص | «نطرناكن كتير ليش ما اجيتو من قبل»، تصيح إحدى النساء اللواتي خرجن من جورة الشياح، وهي تبكي أمام رجال الجيش السوري، الذين كانوا يحيطون بالمدنيين والمتطوعين والمسؤولين. تجسِّد المرأة أوجاع السوريين المحاصرين في المناطق المنكوبة، والمتهمين في أحسن الأحوال بأنهم بيئة حاضنة للمسلحين.
تسأل فريق محافظة حمص عن مصير «البقية»، ليأتيها الرد: «متل ما طلعتوا انشالله بيطلعوا». 83 شخصاً خرجوا إلى الحياة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش.
امرأة أُخرى لديها سبعة أولاد. جميعهم في أحياء حمص الآمنة، باستثناء شابين ظلا في جورة الشياح، إذ لم يشملهما الاتفاق لكونهما شابّين لا يمكن إخراجهما مثل الباقين دون قيد أو شرط. همّ الأم الوحيد إخراج ولديها. تقول لمحافظ حمص طلال البرازي: «اذا ما رح تطالعوهن رجعوني لعندهن».
إلى جانبها، رجل عجوز يتناول من أحد المتطوعين، باستغراب، علبة «بسكويت». لم يعتد أنّ يقدّم إليه شيئاً دون مقابل إذ حاول دفع ثمنها. في جورة الشياح كاد يصل الأمر إلى تقديم ثمن الهواء الذي يتنفسه.
امرأة، بدورها، ذكرت لـ«الأخبار» أن أحداً من عائلتها لم يذُق طعم الخبز منذ خمسة أشهر، مشيرةً إلى أنهم مرّوا بأيام «لم نتناول فيها إلا الأعشاب». آخرون يروون أنّهم كانوا يستخدمون «مؤن البيوت الخالية من أصحابها».
عجوز خضع للتفتيش ودخل المطعم لتناول طعامه، ثم صعد إلى الباص الذي يقلّه حيث تقيم حفيدته في حي الإنشاءات. ملامح الاستغراب على وجهه كانت لافتة، ولا سيّما حين علا صوته سائلاً: «قالولنا جوّا انو رح يسحبونا عالتحقيق. شو نسوا؟». لم يكن الرجل يعلم أنّ الحكومة السورية التزمت بنود الاتفاق التي تقضي بإخراج المدنيين دون قيد أو شرط، إذ لم يُسأل أحد عن اسمه، بل كان الاهتمام الأكبر بأعمارهم. أصغر طفل بين الأطفال الخارجين لا يتجاوز ستة أشهر. طفل جميل بصحّة جيدة، لا يبدو على ملامحه الجوع.
أوضاع الأطفال الصحية تبدو أفضل من أوضاع الكبار، الذين يعانون أوضاعاً نفسية سيئة، تضاهي أوضاعهم الصحية. يلتهمون وجباتهم، المكونة من بعض الفواكه والخبز، بنهم شديد.
وتضمنت الدفعة الأولى من المدنيين، بدورها، خروجهم على أربع دفعات.
أولاها تكونت من 12 شخصاً، بينهم نساء وأطفال وكبار في السن، فيما الدفعة الثانية، تكونت من 18 شخصاً، بينهم 6 نساء. أما الدفعتان الثالثة والرابعة، فقد جرى نقلهما في التوقيت ذاته، إذ خرج 28 شخصاً في باص تابع لمحافظة حمص، بالتزامن مع نقل 25 آخرين في سيارات تابعة للأمم المتحدة، بسبب تأخر الوقت.
المفاجأة وقعت عند وصول أحد المدنيين مصاباً بطلق ناري، إذ أطلق الرصاص على الخارجين من جهة مجهولة داخل جورة الشياح. أسعف الرجل سريعاً بعد إصابته الطفيفة. أحد متطوعي الهلال الأحمر شرح لـ«الأخبار» أنّ التوجه إلى باصات النقل «جاء على شكل تطويق متطوعي الهلال الأحمر وفريق الأمم المتحدة للمدنيين الذين يسيرون في الوسط، إلا أن طلقة نارية مجهولة المصدر أصابت أحد كبار السن من المدنيين». ويضيف: «انقضت على خير، يصعب على المتطوعين تحديد هوية مُطلق الرصاص، إذ لا خبرة لديهم في المنطقة. لذا فضّلوا جميعاً عدم التعليق على الأمر».

استقبال بلا تحقيق

منذ الصباح سرّبت معلومات عن أن عدد المدنيين الخارجين سيكون أقل من المتوقع، في الوقت الذي كانت تستعد فيه محافظة حمص لاستقبال 500 مدني أو أكثر.
وقد نقل من كان يحتاج إلى رعاية طبية إلى المستشفى سريعاً. وكان من اللافت أن مسلحي حمص القديمة قد أعلنوا في كل المفاوضات السابقة أنّ مدنيي جورة الشياح يريدون الخروج إلى حيّ الوعر حصراً.
خروج بعض المدنيين أمس نفى هذه التأكيدات. فقد تبيّن من خلال سؤال المدنيين أن اثنين منهم فقط أرادا الالتحاق بأقاربهما في الوعر، فيما أراد معظمهم الذهاب إلى مناطق عدة، أبرزها الغوطة والإنشاءات والميدان وكرم الشامي.
بعض كبار السن لا مكان لديهم يلجأون إليه. «وين ما بتاخدونا منروح»، يقولون. محافظة حمص استعدت لمثل هذه الاحتمالات، إذ جهّزت مراكز إيواء خاصة لهذه الحالات.

لا مسيحيين!

ليس الأب فرانس هو المسيحي الوحيد الذي لم يخرج مع الدفعة الأولى. لم يخرج أيّ من مسيحيي بستان الديوان. انتظار المطران جورج أبي زخم والأب ميشيل نعمان وعدد من المطارنة، ذهب هباء. أحد الحاضرين للاستقبال استنتج أن هنالك لعبة تمنع خروج المسيحيين لأسباب مجهولة، إذ طلب إليهم الاستعداد للخروج إلى جورة الشياح في وقت متأخر، ما أدى إلى عدم قدرتهم على ذلك. آمال رجال الدين بإخراج أبناء رعيتهم خابت.

يمكنكم متابعة مرح ماشي عبر تويتر | @marah_mashi