■ ما هو تقييمكم للجولة الاولى من مؤتمر «جنيف 2»؟ صحيح أننا لم نحرز تقدماً كبيراً في هذه الجولة، لكن مع ذلك جلس الاطراف الى طاولة واحدة، وطُرحت كل المواضيع الحساسة بما فيها تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات ومكافحة الارهاب والوضع الإنساني وتبادل الأسرى وغيرها. كانت خطوة مهمة، لكن يجب أن نبني عليها. الاخضر الابراهيمي الممثل المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية قال بكل وضوح ان أمامنا تحديات كبيرة. مع استمرار تدهور الاوضاع ومعاناة الشعب السوري على الجميع بذل أقصى الجهود لاحراز تقدم أكبر في الجولة الثانية الاسبوع المقبل. هناك فجوة كبيرة بين الاطراف، لكن الخطوة الاولى كانت ايجابية وآمل أن نبني عليها.

■ النظام طرح مناقشة بيان «جنيف 1» بنداً بنداً، فيما طرحت المعارضة الدخول فوراً في مناقشة موضوع الهيئة الانتقالية. كيف يمكن تجاوز هذه العقدة؟
الدعوة الى «جنيف 2» كانت لمناقشة كل المواضيع التي تضمّنها بيان «جنيف 1»، بما في ذلك تشكيل هيئة الحكم الانتقالي والموضوع الانساني ومكافحة الارهاب وغيرها. لذلك لا بد من مناقشة كل هذه الأمور من دون استثناء. في رأينا، القضية الأساسية والجوهرية في المفاوضات هي المحافظة على وحدة سوريا. هناك جمود عسكري منذ أكثر من سنة. النظام يسيطر على بعض المناطق والمعارضة تسيطر على مناطق أخرى، والاكراد موجودون في الشرق والشمال، وتسيطر «داعش» على بعض المناطق. استمرار الحرب سيؤدي الى تقسيم البلاد. من المفاهيم الاساسية لمؤتمر جنيف الحفاظ على سوريا موحّدة كما هي على الخارطة. لذلك كل من يرفض مبادئ جنيف يشجع على تقسيم البلاد. هذا أمر مستعجل لأن البلاد تزداد انقساماً كل يوم. لذلك نقول للنظام إن استمرار الحرب سيؤدي الى كوارث انسانية وتداعيات سلبية على وحدة سوريا واستقرار المنطقة، كما نقول للمعارضة ان ليس هناك حل عسكري. هناك حاجة من الجميع للالتزام بمبادئ «جنيف 1» كصيغة مقبولة من قبل دول العالم، بما فيها ايران التي آمل انها ستكون معنا في المستقبل، التركيز على هذه المبادئ سيحافظ على الدولة السورية وعلى سوريا كما هي على الخارطة.

■ هل تميزون بين المعارضة والمتطرفين؟
من دون شك. بحسب الموقف الرسمي للنظام هو ضد «القاعدة»، وكذلك الأكراد. لكن المعارضة المعتدلة هي التي تحارب «القاعدة» ممثلة بـ «داعش».

■ هل «الجبهة الاسلامية» معارضة معتدلة؟
«الجبهة الاسلامية» طيف من التيارات السلفية، لذلك نطلب منهم ومن كل الكتائب على الارض الالتزام برؤية «الائتلاف الوطني» حول الديمقراطية والتعددية. ننتظر من كل الاطياف احترام تعددية المجتمع السوري.

■ «الجبهة» تضمّ كتائب تقاتل لاقامة نظام حكم اسلامي. و«جبهة النصرة» التي تقاتل الى جانب «الجبهة» ضد «داعش»، تعتنق فكر «القاعدة»، فيما «الجيش الحر» تلاشى. أين هي المعارضة المعتدلة؟
«الجيش الحر» لا يزال موجوداً، ونحن، كحكومة بريطانية، نتعامل مع المعارضة المعتدلة. من دون معارضة كهذه تحترم التعددية والديمقراطية لن تكون هناك فرصة لأي حل سياسي. ونحن نرسل رسالة واضحة الى التيار السلفي بأن أي محاولة لفرض دولة اسلامية على سوريا ستؤدي الى استمرار هذه الحرب، وكذلك الى النظام بأن أي محاولة لاستمرار هذه الحرب من اجل ازالة المعارضة عن الخارطة ستؤدي الى تدمير البلاد وتقسيمها. لذلك لا بد ان نصل الى تفاهمات بين الاطراف المعتدلة في المعارضة والنظام من اجل الحفاظ على الدولة والمؤسسات في سوريا، ولتوحيد الصفوف ضد «القاعدة» والمتطرفين.

■ من هي فصائل المعارضة المعتدلة؟
نتكلم عن «الائتلاف» وهيئة التنسيق وكثير من الناشطين على الارض الذين نتصل بهم. من الواضح لنا أن معظم السوريين يفضلون نظاماً ديمقراطياً يحترم كل المكوّنات ويحمي حقوقها. مفتاح الحلّ في رأينا هو رفع المعاناة عن الشعب السوري والحفاظ على مؤسسات الدولة وتوفير المساعدات الانسانية ورفع الحصار المفروض على بعض المناطق سواء من النظام او من المعارضة. التركيز على هذه الامور كما حدث في جنيف سيبلور الحل.

■ هل الجيش من بين المؤسسات التي تدعون الى المحافظة عليها؟
كل المؤسسات الامنية. نحتاج الى الحفاظ على هذه المؤسسات كمؤسسات وطنية لا لطرف او لعائلة او لنظام. هذا هو النقاش اليوم لأننا حريصون على عدم وقوع البلاد في الفوضى بعد التغيير او في الفترة الانتقالية، ولا نريد تكرار تجربة العراق في 2003. وهذا مقبول من جانب الائتلاف و«الجيش الحر» ومن جانب كثيرين من النظام وممن هم في الوسط. هذا من الافكار المشتركة التي لا بد ان نبني عليها، وسنناقش في جنيف الاسبوع المقبل كيف نحافظ على هذه المؤسسات وقدراتها وسنشجع على الدخول في هذه التفاصيل.

■ تتحدث عن اتفاق بين النظام والمعارضة والمحافظة على المؤسسات. لم تعودوا تطالبون بتغيير النظام؟
بحسب مبادئ «جنيف 1»، الهيئة الانتقالية ستتشكّل على اساس اتفاق بين الطرفين. موقفنا واضح: لا نرى فرصة لاي حل سياسي من دون تنحي (الرئيس) بشار الاسد. مع ذلك لا بد ان نناقش تفصيلياً، ليس فقط المسار السياسي والانتخابات واسماء الوزراء والرئيس، وانما ايضاً كيف نحافظ على المؤسسات.

■ أين مصلحتكم في وحدة سوريا؟
هذا من مصلحة بريطانيا وبقية الدول لأننا نخشى من التداعيات السلبية لمثل هذا الامر على دول المنطقة، خصوصاً لبنان والاردن، كما نخشى تدهور الاوضاع الانسانية لأن بريطانيا من أكبر الدول المانحة عموماً ونقدم بلايين الدولارات للمساعدات الانسانية، ولا نريد استمرار هذا الوضع لسنوات طويلة مقبلة، ناهيك عن مخاطر انتشار التطرف في المنطقة والعالم. لكل هذه الأسباب نريد انهاء هذه الحرب، ولذلك رأينا هذا التأييد الدولي الواسع لانعقاد مؤتمر جنيف. بالطبع، لتحقيق نتائج ينبغي توافر ثلاثة أمور: أولاً، قيادة شجاعة من النظام والمعارضة للوصول الى حل، وثانياً نحتاج الى حلول خلّاقة لأن الوضع معقّد جداً وهناك تحديات كبيرة، وثالثاً، نحتاج الى اجماع دولي على القبول بمبادئ «جنيف 1»، وهذا ما حدث، باستثناء ايران التي نشجعها على الاعلان بوضوح بقبولها بهذه المبادئ تمهيداً لمشاركتها في هذا الاصطفاف الدولي لأنها لاعب مهم بالتأكيد، ولكنها لاعب من أجل الحرب أم من أجل السلم؟

■ لكن هناك خلافاً حتى بين الروس والاميركيين على «جنيف 1»؟
في التفسيرات ممكن، ولكن هناك اتفاقاً على المبادئ والجوهر كتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بالاتفاق بين الاطراف المختلفة، وهذا واضح جداً لنا ولاميركا وروسيا والدول الاخرى. نحتاج من ايران أن تلتزم بهذه المبادئ، ولنزع الفتيل نحتاج الى انسحاب كل القوات الاجنبية كـ «داعش» والحرس الثوري وحزب الله والميليشيات العراقية والمقاتلين من كل الدول كخطوة لافساح المجال أمام الحل.

■ لماذا سحبت الدعوة التي وُجهّت الى ايران لحضور «جنيف 2»؟
لأنها لم تعلن بوضوح الالتزام بمبادئ «جنيف 1» ولم تتخذ خطوات عملية على الارض تثبت انها جاهزة لحل سياسي خصوصاً أن الايرانيين من اكبر المتورطين في هذه الحرب. سنرحّب بمشاركتهم اذا قبلوا مبادئ جنيف وبيّنوا انهم جاهزون للسلام.

■ لكنكم جميعاً متورطون في هذه الحرب. ألا تزوّدون المعارضة بأسلحة تسمونها غير فتاكة؟
عندما نتكلم عن دعم غير فتاك نقصد حماية المدنيين والحفاظ على المؤسسات المحلية. لا نتكلم عن أسلحة. هذا موقف بريطانيا. هناك دول أخرى تفعل ذلك.

■ هذه الدول حضرت في جنيف. لماذا لم تشترطوا عليها ما تشترطونه على ايران؟
هناك اختلاف. ايران موجودة على الارض الى حد لا مثيل له من اي من دول المنطقة أو العالم.

■ السعودية وتركيا تتدخلان في الشأن السوري وتشجعان المقاتلين على القدوم الى سوريا وتمرّران أسلحة. ما الفرق؟
الفرق ان التظاهرات بدأت في 2011 سلمياً، وبسبب الرد العنيف للنظام الثورة اصبحت حرباً. الشعب السوري له الحق في الدفاع عن النفس، ولذلك هناك اختلاف كبير بين دور ايران ودور غيرها من الدول سواء المؤيدة للنظام او للمعارضة. على اي حال هناك اجماع دولي ونأمل ان تشارك ايران في هذه العملية عاجلاً أم آجلاً.
■ هل لديكم اي اتصالات أمنية مع دمشق؟
ليست لنا اي اتصالات مع النظام على أي مستوى من المستويات ولا نصدّق المزاعم بأنه الدرع امام التطرف، نعرف ان العلاقة قديمة بين النظام و«القاعدة» في العراق والتي كثيرون من كوادرها هم أنفسهم كوادر «داعش» اليوم. ايديولوجياً هناك فرق بين «القاعدة» والنظام، ولكن عملياً من يحارب «القاعدة»؟ خلال الأشهر الماضية «الجيش الحر» هو من فعل ذلك.

■ «الجبهة الإسلامية» المتحالفة مع «جبهة النصرة» الموضوعة على قائمة الارهاب هي من يقاتل «داعش».
من يحارب «القاعدة» هو «الجيش الحر»، مع قسم من «الجبهة الاسلامية». ما يروّجه النظام عن أن كل المعارضين متطرفون وارهابيون غير صحيح ويقوّض الحل السلمي. من المهم ان نعترف بأن هناك أطرافاً عدة على الساحة: هناك «القاعدة» وهناك معارضة معتدلة وهناك النظام، وهناك أيضاً الأكراد (PYD) الذين نريد منهم توضيح ما اذا كانوا مع النظام ام مع المعارضة، وإن كنا، بحسب تحليلنا، نرى أنهم أقرب الى النظام. هناك مطالب مشروعة لشرائح مهمة من الشعب السوري لا بد ان نعترف بها اذا كنا نريد التوصل الى حل سياسي. لذلك تنبغي العودة الى جنيف والنقاش حول المواضيع الأساسية والتركيز على المصالح المشتركة لنا كلنا كالتصدي للمتطرفين، وفي هذا الأمر مصلحة للسوريين وللمنطقة وللعالم.

■ هل هناك تصور معيّن لماهية الحل؟
اعتقد أنه لا بد ان يتنحى الأسد ومن حوله، بعد كل ما شهدته سوريا من احداث في السنوات الثلاث الماضية، ولكن لا بد أن نحافظ على مؤسسات الدولة لتجنب تكرار تجربة العراق في 2003. لذلك يمكن ان نجد حلولاً وسط على هذا الأساس، كما نحتاج أيضاً الى ضمانات لكل المكونات في البلاد ومشاركتها جميعاً في الحكم والمؤسسات. هذه الافكار تمت بلورتها في السنوات الماضية. لدينا الملامح للحل، لكن لا بد ان نترك للاطراف السورية مناقشة التفاصيل. نحتاج الى حلول عبقرية، وخطوة فخطوة سنركّز على كل المواضيع الجوهرية في المفاوضات. وأيضاً من ناحية المعارضة، لا نريد أي محاولة لفرض دولة اسلامية، وواضح ان الشعب السوري لا يريد ذلك. نحتاج الى نزع الفتيل وتغيير النبرة في جنيف وفي الاتصالات الجارية بين الاطراف.

■ هل تعملون على منع نقل تداعيات الازمة السورية الى لبنان؟
في انتظار الحل السياسي، لا نريد ان تؤدي هذه التداعيات الى أزمة أخرى في لبنان أو في أي من الدول المجاورة. نحترم الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية والتزامها سياسة النأي بالنفس. ما من مبرر لأي لبناني او أي اجنبي من اي طرف للتورط في هذه الحرب. ونؤيد الموقفين الرسميين اللبناني والاردني لارساء الاستقرار في هذين البلدين ونعترف بالتداعيات السلبية عليهما بسبب النازحين والهجمات عبر الحدود. في ما يخص هذين البلدين لدينا برامج للمساعدة التنموية والانسانية، كما لدينا في لبنان برنامج لدعم الجيش اللبناني لحماية الحدود.

■ هل تمارسون ضغوطاً على دول المنطقة التي تمون على الاطراف اللبنانية للتلاقي وتشكيل حكومة؟
بغض النظر عن تداعيات الازمة السورية لبنان يواجه تحديات كبيرة. وهو يحتاج الى حكومة. لذلك نشجع كل الاطراف على تشكيل حكومة في اقرب وقت على اساس توافقي للتعامل مع المشاكل التي تواجهها البلاد. كانت هناك عقبات اقليمية ودولية. وقد زالت الآن. نحتاج الى حوار جدي لبناني ــــ لبناني، وان شاء الله الحكومة ستتشكل قريباً.

■ تضم حزب الله؟
طبعاً. حزب الله جزء من الطيف السياسي اللبناني.