نعيش ظروف الثورة المصرية نفسها من حيث موقف الرئيس قمع التظاهرات الحالية قد يدخل الجزائر في المجهول

يُعدّ عبد الرزاق مقري، المرشح إلى الانتخابات الرئاسية الجزائرية، من أكثر الشخصيات نشاطاً في الساحة السياسية، وذلك بعد وصوله إلى رئاسة حركة «مجتمع السلم» (محسوبة على «التيار الإخواني»)، التي غيّر وجهتها من المشاركة في الحكومة (1997-2012)، إلى المعارضة. وبعد تجربة المقاطعة في عام 2014، أعلن مقري قبل فترة الترشح إلى الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد شهرين، والتي لا يُعلم اليوم إن كانت ستُجرى فعلاً أو لا، في ظل الحراك الشعبي الواسع الرافض لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. في هذه المقابلة مع «الأخبار»، يقدم مقري قراءته للمشهد الحالي، ورؤيته لتطورات الأوضاع وتعامل الجيش المنتظر مع هذا الحراك.

هل كنتم تتوقعون هذا الحراك الشعبي الكبير الرافض لترشح الرئيس بوتفليقة؟ وهل تعتقدون أنه عفوي أم موجّه؟
نعم، استشرفت خروج الجزائريين إلى الشارع في سنة 2013 لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية شرحتها مرات ومرات في وسائل الإعلام الجزائرية، وإذا لم يتحقق التوافق الوطني الذي دعونا إليه لمواجهة اشتداد الأزمة المتوقع ابتداءً من عام 2021، حين ينفد احتياطي الصرف كلياً، فإن الانفلات الاجتماعي سيكون أشد، وسيهدد استقرار البلد ووحدته. والذي عجّل بخروج الناس في مسيرات 22 فبراير، هو صدمة العهدة الخامسة، وهذه المسيرات كان نجاحها متوقعاً بالنسبة إلينا، وقد دعونا مناضلينا إلى المشاركة فيها كغيرهم من المواطنين، من دون تصدّرها أو محاولة احتوائها حرصاً على عدم تحزيبها.

هل يمكن أن يصل هذا الحراك إلى دفع الرئيس إلى سحب ترشّحه؟ وكيف تتوقعون تعامل الجيش معه؟
نحن نعيش نفس ظروف الثورة المصرية من حيث موقف رئاسة الجمهورية. أثناء اشتداد الاحتجاج، كان (الرئيس الأسبق حسني) مبارك متردّداً جداً، هل يتنحى أم لا، والذين كانوا يشاركونه الرغبة في البقاء، ويضغطون عليه للصمود، هم عائلته ومحيطه من رجال الأعمال والشخصيات المستفيدة. ولكن لما تأكد أن الجيش تخلى عنه، خضع لمطالب الجماهير، ولم يكن هدف الجيش المصري تغيير النظام، ولكن إسقاط مبارك ومشروع التوريث. الشيء نفسه عندنا، محيط الرئيس متمسك بترشيح الرئيس لعهدة خامسة، رغم علمهم برفضها عند عموم الجزائريين، وهم يعوِّلون على استعمال الإدارة والمؤسسة العسكرية والأمنية لتمريرها، ولو بالتزوير الانتخابي الشامل. السؤال الكبير: هل ستسايرهم المؤسسة العسكرية وموظفو الإدارة أم لا؟ التسريبات والإشاعات كثيرة، ولا يمكن التأكد منها في هذه الفترة. ومن المؤشرات المؤثرة على مصير العهدة الخامسة، استمرار الحراك الطالبي المتوقع، والمسيرات الشعبية المرتقبة اليوم الجمعة، بحسب ما تتناقله الوسائط الاجتماعية. إذا تم منعها وقمعها في حال وقوعها، فمعنى ذلك أن المؤسسة العسكرية والأمنية لا تزال مساندة للعهدة الخامسة. ورد الفعل الجماهيري في مواجهة القمع إذا وقع، سيدخل الجزائر في واقع آخر لا يدري أحد أين ينتهي.

هل ما يحدث في الجزائر يشبه ما جرى في دول عربية أخرى خلال ما سُمّي «الربيع العربي»؟
هناك شَبَه ما من حيث الأزمة القائمة بين الشعب والنظام السياسي، وداخل النظام السياسي ذاته، وكذلك من حيث الاحتقان الاجتماعي، ولكن هناك فروق كبيرة من حيث إن الشعب في الجزائر انتفض ضد العهدة الخامسة التي يُراد فرضها عليه بأساليب التزوير المعتادة، وليس ضد النظام إلى حدّ الآن، وكذلك، من حيث إن المزاج العام للمحتجين ليس ثورياً، بل كثير من المحتجين لديهم الاستعداد للمشاركة في العملية السياسية، وكثير منهم له مرشحه في الانتخابات الرئاسية في نيسان/ أبريل 2019، بل هناك من يدعو المعارضة إلى أن تدخل الانتخابات بمرشح واحد لمواجهة العهدة الخامسة بهبّة شعبية كبيرة يوم الانتخابات لمنع التزوير. والمشكل الأساسي بالنسبة إلى الجميع، هو التزوير الانتخابي باستعمال وسائل الدولة لفرض عهدة خامسة لبوتفليقة ضد إرادة الجماهير. الخلاف الآن القائم بين المشاركين في المسيرات، هو حول جدوى المشاركة في الانتخابات إذا ترشح بوتفليقة فعلاً لعهدة خامسة.
المشاركة في الانتخابات مقاومة سياسية وفرصة للاتصال بالجماهير


يضاف إلى ذلك، أن الجزائريين حذرون جداً في احتجاجاتهم، فهم لهم تجربة طويلة في هذا الشأن، سواء بالنظر إلى تجربتهم الخاصة في انتفاضة 5 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1988، وأحداث التسعينيات، أو بالنظر إلى ما يحصل في العالم العربي. وقد بيّنوا ذلك بطريقة مدهشة في مسيرات 22 شباط/ فبراير التي كانت سلمية وحضارية ونظيفة. ومن جهة أخرى، الأجهزة الأمنية تعاملت بلطف كبير مع المتظاهرين. ولو استمرت هذه الصورة، فإنه يصعب فرض العهدة الخامسة، وستتغير المعطيات بطريقة سلسلة.

هل سيغيّر هذا الحراك الشعبي من خياراتكم في التعامل مع الانتخابات الرئاسية؟
بالنسبة إلينا في المكتب التنفيذي الوطني لا يغير شيئاً. نحن مِمَّن يقول بأن المشاركة في الانتخابات هي مقاومة سياسية، وفرصة للاتصال بالجماهير، ونقل مسؤولية التغيير إليهم مباشرة، للمشاركة الكثيفة في الانتخابات، والتطوع لمنع التزوير بكل الوسائل السلمية الممكنة، سواء بمرشح واحد للمعارضة أو أكثر من واحد. ولكن عندنا اجتماع مجلس الشورى في آخر الأسبوع، قبيل إيداع ملف الترشيح الذي وفرنا فيه الإمضاءات اللازمة بسهولة وأريحية خلافاً لغيرنا من المرشحين، وسيتم تداول الموضوع وتقدير الموقف. نحن في المكتب الوطني سندافع عن رأي المشاركة، والكلمة الأخيرة هي لمجلس الشورى، الذي هو المجلس الوطني صاحب القرار الأعلى.

تنتمون إلى التيار الإسلامي وتترشحون للانتخابات الرئاسية... هل تعتقدون أن الظرف الدولي مؤهل لتقبّل رئيس من هذا التيار في الجزائر، بالنظر إلى كل ما حدث في دول أخرى، خاصة مصر وتونس؟
أولاً، ليست رغبة النظام السياسي أو الواقع الدولي هو الذي يتقبل أو لا يتقبل، ولكنه الشعب الجزائري. النظام السياسي حين يكون الأمر إليه لا يقبل من يسمونهم إسلاميين ولا غير الإسلاميين. هم حينما يكونون في كامل قواهم لا يتركون الكرسي لغيرهم مهما كان انتماؤه وتياره. أما الظرف الدولي، فإنه يتعلق بالمصالح لا غير، وحينما يرى (الخارج) مصالحه غير مستمرة مع نظام قائم، فإنه سيتعامل مع الأكثر حظوظاً سواءً كانوا إسلاميين أم غير إسلاميين.
ثانياً، الأحداث التي عرفها العالم العربي تعود مسؤوليتها الأولى إلى الأنظمة العربية التي لها كامل الاستعداد ـــ إذا استطاعت ــــ لأن تُرحّل شعباً بكامله ولا ترحل هي، ولكن يجب القول إن الإسلاميين لم يكونوا ماهرين في إدارة مرحلة الانتقال الديموقراطي في الدول التي تقصدها بسؤالك، ولو كان هذا موضوعنا لشرحت لك ذلك مطولاً.
ثالثاً، لماذا يطرح هذا السؤال بالنظر إلى التجارب التي وقع فيها انكسار؟ لماذا لا يطرح السؤال بالنظر إلى التجارب التي نجح فيها الإسلاميون في التماسك وتقديم التجارب الناجحة في تركيا وتونس والمغرب مثلاً؟
رابعاً، نحن في الجزائر لنا قصة مختلفة عن العديد من تجارب الإسلاميين. نحن حركة وطنية اكتسبت وجودها الطبيعي في النسيج الوطني بشرف عال قدّمت من أجله 400 شهيد في مواجهة الإرهاب في سنوات التسعينيات من قادة الحركة وإطاراتها. ونحن من يحرج الأحزاب التي تدّعي الوطنية؛ إذ لم تشارك في ذلك الوقت في حماية الدولة. كما أننا حركة لها تجربة في المجالس المنتخبة لأكثر من ربع قرن، وفي الحكومة لمدة 17 سنة. ولا يوجد في الجزائر من يضعنا في سياق ظروف الحركات الإسلامية في البلدان العربية المتأزمة. وعلى العموم، المغرب العربي كله خارج هذا السياق الذي تشيرون إليه.

ما هي المقاربة التي ستحكم نظرتكم إلى السياسة الخارجية في حال أصبحتم رئيساً؟
مقاربتنا هي التعامل مع الجوار بحسن الجوار، والأشقاء بأخوة وتكامل وتضامن، ومع العالم بقاعدة التعاون والربح للجميع، وعدم تدخل الدول بعضها في شؤون بعض.

ما هي رؤيتكم لملف الحدود مع المغرب؟ وكيف تنظرون إلى علاقة الجزائر مع دول الخليج وإيران؟
نحن ضد غلق الحدود مع المغرب الشقيق، ونحن مع حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. وعلاقتنا مع دول الخليج وإيران كدول هي علاقة مع أشقاء في إطار التناصح والتعاون والاحترام المتبادل والتكامل والتضامن، للانتقال معاً نحو مستقبل يكون فيه العالم العربي والإسلامي مزدهراً ومتطوراً وقوياً وسعيداً وآمناً ومستقراً وسيداً في قراره وعلى ثرواته، تحكمه مؤسسات قوية بالإرادة الشعبية والاختيار الحر، ويعيش فيه الإنسان حراً وكريماً، مساهماً في تحقيق الاستقرار والأمن في العالم، وبناء نظام عالمي جديد أكثر عدلاً تحفظ فيه حقوق الشعوب كلها، بغض النظر عن عقائدهم وثقافاتهم، متمسّكاً بقضيته المركزية، وملتزماً بدعم الشعب الفلسطيني حتى ينال حريته واستقلاله وسيادته على مقدساته وعلى رأسها القدس الشريف.

كيف ستتعاملون مع دول تتمتع بنفوذ كبير في الجزائر على غرار فرنسا؟
سنتعامل مع فرنسا وغيرها بمنطق التعاون الدولي، الذي يحقق الربح للجميع، في إطار الاحترام المتبادل للسيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام خصوصيات الشعوب وثقافاتها ومعتقداتها.