إشارات عديدة، إن لم تكن رسائل مبطنة، حملتها تصريحات زعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، أول من أمس. بدا كأن المالكي يحاول التمايز عن حليفه في «البناء» هادي العامري، خصوصاً وأن تقارب الأخير مع «تحالف سائرون»، المدعوم من زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، أثار امتعاضاً غير معلن لدى المالكي نفسه، على رغم تأكيدات رئيس الوزراء السابق أنه «لا يعارض أي تقارب بين الفتح وسائرون»، وأن هذا التقارب «لا يهدّد تماسك البناء»، بل وترحيبه به بهدف «إكمال كابينة عادل عبد المهدي الوزارية».
مصادر «دولة القانون»: المالكي منزعج من تقارب العامري ــــ الصدر (أرشيف)

لكن بين السر والعلن ثمة تباين كبير. مصادر في «دولة القانون» تكشف أن المالكي منزعج من «هذا التقارب... وهو حال نتقاسمه مع الإخوة في تيار الحكمة، بزعامة عمار الحكيم». هذا الانزعاج آثر المالكي توصيفه بـ«الملل»، متلطّياً في الحديث عنه خلف «قوى المكون السنّي...». المصادر عينها تقول، في حديثها إلى «الأخبار»، إن «المالكي والحكيم يشعران بإقصاء ممنهج في آلية اتخاذ القرار السياسي من قِبل العامري والصدر»، مستندةً إلى حديث المالكي بأن «العامري لا يتحدث باسم البناء... وكذلك سائرون لا يتحدث باسم الإصلاح».
وتشير معلومات «الأخبار»، أيضاً، إلى أن هذا التململ لدى كلّ من المالكي والحكيم تُرجم بتقارب بين الرجلين في الأيام الأخيرة، الهدف منه تشكيل «نواة معارضة»، يرتقب أن تكون انطلاقتها مع انتهاء «المهلة الرقابية لأداء الحكومة»، وهذا ما يعزّز الحديث عن أن موعد الاشتباك السياسي في البلاد سيكون مطلع الصيف المقبل. المالكي أبدى انزعاجه من أداء عبد المهدي، قائلاً إن «الاستمرار في ظاهرة الشغور الحكومي مؤشر غير مريح، والعمل بالوكالات لا يعطي عملاً قوياً»، وهو ما يؤشر أيضاً إلى نيته الانتقال إلى صفوف المعارضة، وبحثه عن حلفاء له على هذا الطريق. لكن مصادر «الحكمة» تنفي حدوث تقارب مع «دولة القانون»، عادّةً هذه المعلومات «عارية من الصحة».
كذلك، يأمل عدد من قادة «دولة القانون» في أن يتمكن المالكي من ضمّ زعيم «تحالف النصر» حيدر العبادي، إليه؛ أي دمج كتلتَي «القانون» و«النصر» في كتلة واحدة، وهو ما استبعدته مصادر «النصر»، في موقف يعكس عجز قيادة «حزب الدعوة» عن تحويل قراراتها إلى إجراءات تنفيذية (طلبت «شورى الدعوة» في أيلول/ سبتمبر الماضي دمج الكتلتين حفاظاً على منصب رئاسة الوزراء). وترى مصادر «دولة القانون» أن هذا الاندماج، إضافة إلى التقارب الحاصل مع الحكيم، قد يدفعان بكتل «المكوّن السنّي إلى الاقتراب منا»، وهو أمر لمح إليه المالكي بحديثه عن امتعاض «القوى السنية» من تقارب العامري ـــ الصدر، الأمر الذي ينبئ بأن الرجل سيحاول استثمار هذا «القلق» لصالح مشروع «يأمل أن يبصر النور قريباً».
إزاء ذلك، يطرح سؤال تلقائي حول التموضع السياسي لـ«المعارضة»، في حال ولادتها؟ مصادر مطلعة ترى أن تحولاً سياسياً من هذا النوع لا يعني بالضرورة أنه سيكون مناوئاً لطهران، خصوصاً وأن الأخيرة تعمل على تعزيز علاقاتها بالقوى السياسية كافة، حتى مع الحكيم الذي اتسمت علاقته، أخيراً، بدوائر القرار في العاصمة الإيرانية بـ«البرودة». لكن ذلك كُسر نسبياً خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الأخيرة إلى بغداد، وتعمّده زيارة بيت الحكيم أولاً، إضافة إلى زيارة بعيدة عن الأضواء لقائد «قوّة القدس» في «الحرس الثوري الإيراني»، قاسم سليماني، للحكيم، وتأكيده على «العلاقات الطيبة» بين طهران و«الحكمة».