سُمّيت بالخليل نسبة إلى «خليل الرحمن»، النبي إبراهيم الذي يُقال إنه عاش في المدينة ودُفن في ما يُعرف اليوم بـ«الحرم الإبراهيمي». تُعرف أيضاً بأنها «المدينة التي لا تعرف الجوع أبداً»، لأن «التكيّة الإبراهيمية»، التي تأسّست عام 1279، تُوزّع صباحاً ومساءً الطعام على سكان المدينة مجاناً، لأن «أبو الضيفان»، نبي المدينة إبراهيم، كان كريماً مع المحتاجين. وكما كل شيء في فلسطين مقدّس، فإن مكانة المدينة شبيهة بمدينة القدس المحتلة، من حيث سعي العدو الإسرائيلي إلى فرض سيطرته عليها، وتهويدها، ولاحقاً ضمّها إلى كيانه.

فجر يوم الجمعة، الخامس والعشرين من شباط 1994 (الخامس عشر من شهر رمضان)، توجّه القاتل باروخ جولدشتاين إلى الحرم الإبراهيمي. أطلق النار على المصلين، فقتل 29 شخصاً، وأصاب 15 آخرين بجروح. هذا الجزء من ذلك اليوم الأسود معروف للجميع، إلا أن القصة لم تنتهِ هنا. فخلال تشييع «شهداء الفجر»، أطلق جيش العدو الإسرائيلي النار باتجاه المشيعين، ما أدى إلى استشهاد 50 شخصاً.
جولدشتاين قُتل، إلا أن فكرة حزبه «كاخ» لا تزال حيّة حتى يومنا هذا. فرئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، أعلن تحالفه في الانتخابات المقرّر إجراؤها في 9 نيسان المقبل، مع اثنين من أبرز قادة ذلك الحزب المنحلّ، هما إيتمار بن غفير وميخائيل بن آري.
اليوم، بعد مرور 25 عاماً على المجزرة، يسعى العدو الإسرائيلي إلى فرض أمر واقع على مدينة الخليل، مستغلاً اتفاق عام 1997 الذي قسّم المدينة إلى جزءين: الأول تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، ويُعرَف باسم «H1»، والثاني (H2) تحت السيطرة الإسرائيلية. أغلق الاحتلال عدة شوارع، مانعاً أهالي المدينة من المرور فيها من دون تنسيق مسبق، وذلك كرمى ما يقارب 800 مستوطن، مقابل اضطهاد 60 ألف فلسطيني يعيشون في البلدة القديمة.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تبدو ملحّة وضرورية الإضاءة على ما يجري في فلسطين عموماً والخليل تحديداً، خاصة بعد إبعاد المراقبين الدوليين الذين أتوا بموجب الاتفاقية إلى المدينة، وسعي العدو إلى توسيع الاستيطان فيها، مع العلم أن وجود البعثة لا يؤثر سلباً أو إيجاباً، ولا يمنع اعتداءات المستوطنين على أبناء الخليل. كذلك فإن التقارير التي يرفعونها دورياً إلى دولهم لا تغيّر من سياسة صانع القرار. لكن، على رغم هذا الواقع السيء، وسعي العدو إلى ضمّ المدينة، إلا أن لأبنائها سحرهم وتأثيرهم الخاص على التاريخ الفلسطيني. إذ قدّمت المدينة منذ اندلاع «هبّة السكاكين» في ٣ تشرين الأول 2015، وحتى 19 كانون الثاني 2016، 49 شهيداً، متصدّرة بذلك مدن الضفة المحتلة. أبناء هذه المدينة، المعروفون بسرعة ثأرهم، لن يسمحوا بتحويل مدينتهم إلى حديقة خلفية للمستوطنات المحيطة بها.