بدأت الأزمة السياسية المندلعة إثر الاحتجاجات المستمرة منذ ما يقارب الشهرين، تلقي بظلالها على الساحة السياسية في السودان، لغير مصلحة الرئيس عمر البشير المستمر في السلطة منذ ثلاثة عقود. المعارضة التي ركبت موجة الشارع توالياً، بدأت خطواتها أولاً بدعم الاحتجاجات، ومن ثم الاتحاد خلف مطلب «إسقاط النظام» الذي رفعه المحتجون منذ اليوم الأول في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وبعد فشل البشير في محاولة تحييد الشباب عن الأزمة السياسية وسحب فتيل الأزمة الاقتصادية من يد أحزاب المعارضة، لتهدأ الاحتجاجات، يذهب البشير اليوم إلى مستوى أعلى من المواجهة، بتجريم تبني أحزاب المعارضة مطلب الشارع «إسقاط النظام»، والذي سبق أن عدّه دعوة للقوات المسلحة إلى «انقلاب عسكري» كما قال مطلع الشهر الماضي. الحكومة أعلنت، أمس، أنها ستتخذ «إجراءات قانونية» من دون أن توضح طبيعتها «في مواجهة بعض الأحزاب المعارضة»، وهو ما شدد عليه وزير الدولة لشؤون الإعلام، مأمون حسن إبراهيم، في حديث إلى مركز الخدمات الصحافية المقرب من الحكومة، مشيراً إلى «وجود رصد لكل الأفعال السالبة التي يتم تنفيذها من قبل الأحزاب المعارضة»، والتي تشمل الدعوة إلى «العنف وتغيير النظام بالقوة»، و«الإرهاب الفكري والسياسي»، تجديداً لما سبق أن أعلنت عنه، الخميس الماضي، رداً على اجتماع أحزاب المعارضة الموقعة على «ميثاق الحرية والتغيير».
رفع البشير مستوى المواجهة مع المعارضة بتجريم تبنّيها مطلب «إسقاط النظام»


وفي ظل المعركة مع أحزاب المعارضة، يحتدم الجدل داخل حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، الذي يتزعمه البشير، حول الانتخابات المقبلة في عام 2020، بين أجنحة تؤيد استمراره مرشحاً للحزب، وأخرى تسعى إلى السلطة وترفض ترشيحه بغية امتصاص غضب الشارع. ترجم ذلك، سعي الحزب إلى ضمان سلامة الرئيس في حال تنحيه، من خلال التعجيل بإجازة مشروع قانون في البرلمان يمنع ملاحقة الرؤساء بعد التنحي، الأسبوع الماضي، ومن ثم تأجيل البرلمان اجتماع لجنة التعديلات الدستورية أمس، حول تمديد الولاية الرئاسية واختيار الولاة إلى «موعد يحدد لاحقاً، لارتباطات طارئة خاصة برئاسة اللجنة» مع اقتراب موعد الانتخابات.
وفي حال أوقفت المبادرة التي دفع بها 294 نائباً (33 حزباً) إلى رئاسة البرلمان، وتطالب بتعديل المادة الرقم 57، التي تسمح للرئيس بالترشح لدورتين فقط، بحيث تكون الدورات مفتوحة، يصبح عدم ترشح البشير للانتخابات المقبلة أمراً محتوماً، وقد يتجه «المؤتمر الوطني»، وفق مراقبين، إلى خيار ألا يقدم مرشحاً لرئاسة الجمهورية، أو أن يدعم شخصية قومية مستقلة لامتصاص غضب الشارع، والقفز عن زورق البشير قبل أن يغرق. لكن في المقابل، ورغم إعلان البشير في أكثر من مناسبة، أنه زاهد في السلطة، ولا يعتزم الترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، ظهرت أصوات وقرارات من حزبه الحاكم خلال الفترة الماضية، تعلن ترشيحه، رغم الاحتجاجات المطالبة بتنحيه، كما سبق أن أجرى حزبه الحاكم تعديلاً في النظام الأساسي في آب/ أغسطس الماضي، ينصّ على أن يكون البشير مرشحاً للحزب في انتخابات 2020، ما يشي بأن محاولات الحزب الحاكم بشأن ترشح البشير، تبقى في إطار المناورة السياسية لامتصاص غضب الشارع، وخصوصاً أن البشير يتمسك بأن السبيل الوحيد للتغيير هو صناديق الاقتراع، قاطعاً الطريق أمام المبادرات التي تدعو إلى تكوين حكومة انتقالية.
لكن بعيداً عن الجدل السياسي، ثمة مسار قانوني يعترض مساعي البشير لتعديل الدستور، الذي لا يزال يحمل صفة «انتقالي»، منذ توقيع اتفاقية سلام جنوب السودان في عام 2005. إذ يرى محامون وفقهاء قانونيون عدم دستورية ترشح البشير لدورة قادمة، إذ لا يجيز الدستور تعديل مواده من قبل نواب البرلمان، كما أن مقترح تعديل الدستور لضمان ديمومة حكم البشير، يجهض حق التداول السلمي للسلطة الذي نص عليه الدستور.



مقتل متظاهر اختناقاً في الخرطوم
في احتجاجات شمال العاصمة الخرطوم، أمس، دعا إليها «تجمع المهنيين» وثلاثة تحالفات معارضة، للمطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير، قُتل بائع متجول مختنقاً بقنابل الغاز المسيل للدموع، التي أطلقتها شرطة مكافحة الشغب على التجمع المناهض للحكومة.
وبحسب مصدر طبي وأقارب البائع ولجنة أطباء مرتبطة بحملة الاحتجاجات، توفي المواطن أبو بكر عثمان يوسف (62 عاماً)، في المستشفى بعد استنشاقه الغاز الذي أطلقته شرطة مكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين، بينما كان يبيع الفاكهة في حي بحري شمال العاصمة. ولم توضح اللجنة إن كان الضحية من المحتجين أو لا، علماً بأن قوات الأمن أطلقت الغاز بكثافة، وأن المستشفى يقع بالقرب من مكان الاحتجاج.
(أ ف ب، الأناضول)