لا جدال في أن مؤتمر وارسو، في مضمونه وشكله وتوقيته، محاولة أميركية للتعويض عن التراجع الميداني ضد إيران ومحور المقاومة في المنطقة، عبر تظاهرة هي أقرب إلى التظاهرة الإعلامية والدعائية المشبعة بالضجيج. واللافت في المؤتمر أن مشاركة أتباع أميركا في المنطقة، وعلى رأسهم دول خليجية، أي الدول المنصاعة لها، إلى جانب الحليف الإسرائيلي، تجري في ظل غياب عملي للاتحاد الأوروبي، وغياب تام لروسيا، مع مشاركات رمزية من دول وازنة في الإقليم.
على خلفية هذه المشاركة ومضمونها، بات بالإمكان تأكيد الموقف الصادر عن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن المؤتمر ولد ميتاً، لجهة انكشاف عجزه عن إنتاج تحالف يواجه الجمهورية الإسلامية، حتى لو أن الوجهة العملية للمؤتمر هي منع فرط عقد الأتباع في المنطقة التي توالت مؤشراتها، في ضوء استمرار الانكفاء الأميركي عن المنطقة، أكثر من كونه مواجهة إيران التي تتجنب الولايات المتحدة حتى الآن الصدام العسكري المباشر معها.
يعمد نتنياهو إلى توظيف مثل هذه الأحداث في السياق الانتخابي
مع ذلك، ترى تل أبيب أن المؤتمر يوفر لها أيضاً تظاهرة دعائية للتحريض على إيران، وفرصة لتظهير شراكتها مع الحكام العرب أو مندوبيهم، عبر لقاءات بدأت بالتوالي مع وزير الخارجية العماني ــ كما كشف الإعلام الإسرائيلي ــ وآخرين ربما سيحرصون على عقدها سراً. أيضاً، من جهة إسرائيل، المؤتمر فرصة لتأكيد ديباجة الاحتلال في تحويل نفسه إلى ضحية في المنطقة تستأهل دعم مصالحها وأمنها، بالادعاء أن إيران المقارعة للاحتلال هي مشكلة المنطقة وليس القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين المقبلة على الإذابة نتيجة التحالف الإسرائيلي الخليجي.
لذلك، مجرد التداول في تظاهرة دولية والتصويب على إيران، مع أو من دون مشاركات وازنة، تعني من ناحية إسرائيل النجاح في تحقيق استراتيجية تبرئة الاحتلال والتركيز نحو معارضيه وأعدائه، وهو في ذاته من أهم المكاسب الاستراتيجية لإسرائيل التي سعت إليها تل أبيب في السنوات الأخيرة، ولاقت تجاوباً كبيراً جداً من الإدارة الأميركية. وكما هي الحال في كل القضايا، يعمد رئيس حكومة العدو، بنيامن نتنياهو، إلى توظيف مثل هذه الأحداث في السياق الانتخابي من أجل تعزيز مكانته المهددة من القضاء.
ولم يبقِ نتنياهو الأبعاد الإسرائيلية للمؤتمر غامضة، بل المرحلة كما في بقية القضايا هي الانتقال إلى العلن، فاعتبر أن الحديث هو عن «مؤتمر دولي مهم جداً بحيث يتمحور حول القضية الإيرانية، وهو يجمع بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول في المنطقة والدول خارج هذه المنطقة. فستكون هناك اجتماعات مثيرة للاهتمام ومتنوعة». وتطبيقاً لسياسة الضحية التي تتعرض للتهديد، أضاف أن «إيران تطلق التهديدات ضدنا مع حلول الذكرى الـ 40 للثورة هناك، حيث توعدوا بتدمير تل أبيب وحيفا»، متجاهلاً أن هذا الموقف وما شابهه هو في سياق الرد الرادع على التهديدات التي تتعرض لها إيران.
وكرر نتنياهو تحذيره لإيران أنها إذا حاولت ذلك «أعيد وأكرر أنها ستكون آخر ذكرى للثورة يحييها هذا النظام»، وتابع: «نستعمل ونوظف العديد من الوسائل فضلاً عن العديد من الجهات ضد العدوان الإيراني، وضد محاولتهم التزود بأسلحة نووية، وصواريخ بالستية. إذ نكشف عن عملياتهم الإرهابية في أوروبا المرة تلو الأخرى، كما نحبط محاولتهم التموضع عسكرياً في سوريا المرة تلو الأخرى، ويوماً بعد يوم».
أما في ما يخص تطبيع العلاقات ما بين إسرائيل ودول عربية، فقال: «علاقاتنا مع دول المنطقة برمتها، ما عدا سوريا، جيدة للغاية والكلام عن انقطاعها عارٍ من الصحة. فالواقع يشهد على أن تلك العلاقات تتعزز باستمرار». ولم يغفل نتنياهو عن توجيه الانتقادات إلى الاتحاد الأوروبي، متهماً إياه بأنه «يغمض عيونه عمّا تقوم به إيران، إنه ببساطة يتجاهل حقيقة مفادها أن إيران ترعى المجموعات الإرهابية داخل أراضي تلك الدول، وفي الآن نفسه تغازل الدول الأوروبية إيران وتحاول الالتفاف على العقوبات الأميركية بشتى الطرق. إنه أمر سخيف بامتياز».