القاهرة | مع أن الضجة المصاحبة للتعديلات الدستورية في مصر تتركّز حول وضع نص انتقالي للرئيس عبد الفتاح السيسي، يسمح ببقائه في السلطة على الأقل حتى 2024، مع السماح له بالترشح مجدداً لولايتين، إلا أن هناك كثيرين من الموالين والمعارضين يرون أن التعديلات، خصوصاً التي تتعلق بصلاحيات القوات المسلحة، يمكن تفسيرها على أنها مناورة من السيسي للتخلي عن السلطة، لكن مع إبقاء الجيش وتحصينه ضدّ أي محاولات مستقبلية من أجل السيطرة عليه. ويستدلّ هؤلاء بتعديل المواد الخاصة بوزير الدفاع وشروط تعيينه وإقالته؛ إذ إن زيادة نصوص مواد العسكر نفسها لا تعبّر سوى عن ترسيخ لقوة وزير الدفاع في مواجهة الرئيس، بصورة غير مسبوقة منذ تحول البلد من الملكية إلى الجمهورية.صحيح أن السيسي حرص على تحصين منصب «الدفاع» إبّان توليه إياه خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت عزل محمد مرسي، لكن دسترة الاستثناء ووضعه كقاعدة ربما توحي بأن «الجنرال» قاب قوسين أو أدنى من ترك السلطة، حتى وإن لم يكن الأمر في القريب العاجل، على ألا يتسلّم السلطة أحد من قلب المؤسسة العسكرية، في حين أن وزير الدفاع الموجود حينذاك لن يكون بمقدور الرئيس عزله من دون موافقة «المجلس الأعلى للقوات المسلحة». ففي تعديلات المادة 200، تكون «القوات المسلحة ملكاً للشعب، مهمتها حماية البلاد... وصون الدستور والديموقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد»، ما يظهر توسيعاً لصلاحيات الجيش ليكون قادراً على التدخل في الحياة السياسية على غرار ما جرى في 2013.
وبخلاف «دسترة الانقلابات» (راجع العدد 3680 في 5 شباط)، سيمتلك وزير الدفاع صلاحيات لن يكون للرئيس حق التدخل فيها، كما سيبقى التلويح بحق الجيش في الحفاظ على مدنية الدولة هو المهدّد الأول لأي رئيس مدني منتخب ديموقراطياً، مع الأخذ في الاعتبار أن توسيع صلاحيات الرئيس وقدرته على التدخل في بعض الشؤون القضائية لن تجعله قادراً على مواجهة الجيش في أي صدام، بل إن الأخير سيرفض حتماً أي تعديلات مرتبطة بالمواد الخاصة به؛ ليس لحصوله على امتيازات استثنائية فحسب، بل للأهمية السياسية التي سيتمتع بها ككل قريباً، أو وزير الدفاع على وجه خاص.
بالعودة إلى الوراء، فإنه في أسلوب إدارة السيسي، لا شخص يمكن أن تراه بارزاً طوال الوقت إلى جانب الرئيس، مهما كانت نجاحاته أو تحركاته، بل إن الإقالة هي المكافأة التي يقدمها «الجنرال» إلى رجاله المخلصين، فيما يمنح بعض المرضيّ عنهم مناصب شرفية لتكون «مكافأة نهاية الخدمة». حتى وزير الدفاع لا يُسمح له بالظهور إعلامياً منذ تعيينه في حزيران/ يونيو الماضي ضمن تعديلات حكومية موسّعة شملت «الداخلية» أيضاً. ولا يبدو السيسي، حتى الآن، زاهداً في السلطة؛ فالرئيس الذي صرّح علناً بأنه لا يرغب في الترشح للرئاسة بعد انتهاء ولايته الثانية، هو نفسه الذي يقود تحركات الأجهزة لإجراء التعديلات الدستورية التي تتضمن خللاً دستورياً واضحاً، ليس مرتبطاً فقط بمخالفة نصوص الدستور الحالي، بل بتفصيل مواد انتقالية تمكّنه هو فقط من مخالفته، وتقنّن القوانين غير الدستورية التي أقرّها منذ وصوله إلى السلطة.
على خط مقابل، بدأ «نادي القضاة» التحرك لمواجهة هذه التعديلات والتعبير عن رفضها؛ إذ عقد اجتماعات مع مجلس الإدارة تضمنت تأكيداً على أن التعديلات الجديدة ستنال من استقلال القضاء. وجرى الاتفاق على عقد اجتماع في الـ15 من الشهر الجاري لمناقشة التعديلات، وإعلان القضاة رفضهم النصوص المقترحة في شأن السلطة القضائية، لكن مع الحياد تجاه التعديلات الأخرى. في هذا السياق، انتقد مجلس إدارة النادي التعديلات التي رأى أنها «تحرك من أجل تحصين القوانين المعيبة دستورياً»، مشدداً على أن «دولة القانون لا بد أن يكون فيها فصل بين السلطات، وهو ما لا يتوافر في التعديلات المقترحة التي أرسلنا بياناً برفضها إلى مجلس القضاء الأعلى بصفته أعلى جهة قضائية، من أجل التحرك وفق الأطر القانونية والمشروعة».