صنعاء | لا تزال الوعود بتحييد الاقتصاد اليمني عن الصراع الدائر منذ ما يزيد على أربع سنوات ونصف سنة، خاملة في حقيبة المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، الذي لم يستطع إلى الآن تحقيق اختراق ذي أهمية على هذا الصعيد. في زيارته الأخيرة إلى صنعاء، كرّر غريفيث تعهّداته ببدء مفاوضات في شأن الملف الاقتصادي، فيما كان معاونه معين شريم يؤكد، خلال لقاء مع ممثلي «اللجنة الاقتصادية العليا» التابعة لسلطات صنعاء، «استمرار الأمم المتحدة في مساعيها إلى تحييد الاقتصاد»، متحدثاً عن «مفاوضات خلال الأيام المقبلة حول قضيتي الرواتب وموظفي صنعاء وغيرهما».هذه المفاوضات كانت أجريت، مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، محاولة لإطلاقها في العاصمة الأردنية عمّان، تزامناً مع اجتماعات اللجنة الفنية المعنية بتنفيذ اتفاق تبادل الأسرى، لكن تلك المحاولة باءت بالفشل. ومع ذلك، تواصل المنظمة الدولية، بالتعاون مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، جهودها لإنهاء الانقسام المالي بين عدن وصنعاء، والاتفاق على آلية محددة لتوحيد الإيرادات العامة للدولة، لكن هذه الجهود لا تلقى إلى الآن تجاوباً لدى حكومة هادي.

شروط مسبقة
محافظ البنك المركزي المُعيّن من قِبَل هادي، والمقرب من أبو ظبي، محمد زمام، الذي كان اشترط رفع الحظر المفروض على احتياطات البنك المركزي الأجنبية في البنوك البريطانية والألمانية، وتدفق المساعدات والمنح الدولية إلى البنك، من أجل صرف رواتب موظفي الدولة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله»، وتغطية فاتورة الواردات الأساسية من العملات الأجنبية، سرعان ما تراجع عن التزامه بعدما أُبلغ من قِبَل منسقة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة لدى اليمن، ليزا غراندي، قبل أسبوعين، بموافقة المنظمة الدولية على طلب البنك تحويل جميع المبالغ الخاصة بالمنظمات غير الحكومية إليه، كخطوة أولى على طريق تحويل جميع المبالغ الخاصة بجميع منظمات الأمم المتحدة في مرحلة ثانية.
يحرم «مركزي عدن» تجار الشمال من فتح اعتمادات مستندية من الوديعة السعودية


لكن حكومة هادي، التي تصرف شهرياً 85 مليار ريال كرواتب للموالين لها (بزيادة 10 مليارات ريال عن نفقات الأجور والرواتب التي كانت تُصرف من البنك المركزي في صنعاء، إذ إنها لم تكن تتجاوز 75 مليار ريال شهرياً)، عادت وربطت التزامها بصرف رواتب 850 ألف موظف يعيشون منذ عامين ونصف عام من دون رواتب في المحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله»، باستعادة المصادر المالية الخاضعة لسلطات صنعاء، وتوريد الإيرادات المالية إلى بنك عدن.
ووفقاً لمصدر في «هيئة التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية»، وهي إحدى منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تقريب وجهات النظر بين الطرفين بهدف صرف رواتب موظفي الدولة، فإن «حكومة الرئيس المنتهية ولايته وعدت بصرف 50% من رواتب أساتذة الجامعات في المحافظات الشمالية، واستكمال صرف رواتب التربويين والعاملين في المجال الصحي في حال توافر مصادر تمويلية وتحويل كافة المساعدات والمنح الدولية عبر البنك، من دون تحديد موعد زمني لصرف رواتب تلك الشرائح»، وفق ما أكد المصدر لـ«الأخبار».

مقاطعة بنوك صنعاء ومأرب
فضلاً عن ما تقدم، تتجه الجبهة الموالية لـ«التحالف»، في محاولة متجددة لتجفيف منابع الدخل الوطنية، إلى استهداف ما تبقى من مصادر إيرادية كالبنوك والاتصالات والتحويلات المالية للمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، عمدت حكومة هادي إلى تبني حملة تحريض واسعة ضدّ القطاع البنكي في العاصمة صنعاء، متهمة «أنصار الله» بفرض إتاوات تصل إلى 30% على البنوك، وهو ما نفته جمعية البنوك اليمنية أخيراً. كما اتخذت قراراً بنقل شركة الاتصالات الدولية، «تليمن»، من صنعاء إلى عدن منتصف الشهر الفائت، من أجل الاستحواذ على 300 مليون دولار من عائدات الاتصالات الدولية متواجدة في شركات الاتصالات في السعودية. وتزامن ذلك مع تعيين رئيس لبنك التسليف التعاوني الزراعي في عدن بديلاً لرئيس البنك في صنعاء، والسطو على فرع البنك في عدن، ومصادرة ملايين الريالات الخاصة بإيداعات المواطنين. وتسعى حكومة هادي، أيضاً، إلى نقل عمليات البنوك الأهلية والإسلامية من صنعاء إلى عدن، في توجّه كشفه محمد زمام، الذي أكد أن «الحكومة عازمة على نقل المركز المالي من صنعاء إلى عدن»، وأن «عام 2019 سيكون عام تجفيف كافة المصادر المالية» لـ«أنصار الله».
هذه الحرب المالية دشّنها «مركزي عدن» برفضه المطلق التعامل مع البنوك الإسلامية والتجارية في العاصمة صنعاء ومأرب، وتعمّده حرمان تجار المحافظات الشمالية من فتح اعتمادات مستندية من الوديعة السعودية. ووفقاً لغرفة صناعة وتجارة مدينة عدن، فإن اشتراطات البنك المركزي في عدن بتسديد البنوك التجارية والإسلامية قيمة الاعتمادات المستندية نقداً في عدن، وعدم قبول السداد بشيكات أو حتى نقداً من قِبَل تجار صنعاء والمحافظات الشمالية في فروع البنوك التجارية والإسلامية الواقعة في بعض المحافظات الخاضعة لسيطرة حكومة هادي ومن ضمنها محافظة مأرب، أدت إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المحافظات الشمالية، والتي باتت تهدد بكارثة إنسانية في ظلّ تفشّي الجوع. وحذرت الغرف الصناعية والتجارية في عدن، في بيان، من أن «الاستمرار في اشتراط سداد قيمة الاعتمادات نقداً في محافظات محددة في المناطق الجنوبية، من دون توافر الأمن لنقل تلك الأموال، سيؤدي إلى كارثة إنسانية لن تُحمد عقباها، وسيتسبب في تراجع المخزون القومي من السلع والمنتجات الأساسية».