الجزائر | يُعدّ علي غديري نفسه بقوة قبل انطلاق السباق الانتخابي الفعلي في الجزائر. يحتاج المرشح إلى 60 ألف توقيع من الجزائريين، حتى يضمن قبول ملفه في المجلس الدستوري، ويصبح مرشحاً فعلياً لرئاسة الجزائر. لا يبدو عند الحديث إليه متخوفاً للحظة من جمع هذا الكمّ من التوقيعات، بل إنه تجاوز هذه المرحلة وأصبح يفكر في المسائل اللوجستية الكبرى التي تعينه على إقناع الجزائريين في الحملة الانتخابية، من أجل حملهم على التصويت لمصلحته.في المبنى الذي يتخذه مقراً لحملته الانتخابية في حيدرة، في أعالي العاصمة، تحدث اللواء المتقاعد علي غديري إلى «الأخبار» عن الرغبة الجامحة التي تحدوه للفوز بمنصب الرئاسة، غير عابئ تماماً بالحواجز التي يراها البعض حائلاً بينه وبين الرئاسة. وبنزعة أقرب إلى الثورية منها إلى السياسة، يقول إن قدوته هم الأبطال الستة الذين فجروا الثورة التحريرية ضد المستعمر الفرنسي في تشرين الثاني/ نوفمبر 1954، وهؤلاء في زمانهم كانوا أقرب إلى وصف «المجانين»، كما يشير؛ إذ «كيف يمكن تصور النصر على أعتى قوة استعمارية بشعب أعزل يعاني الفقر والجوع والظلم؟». لكن هذا «الجنون» تحول في ظرف سبع سنوات إلى استقلال أعاد للجزائر كينونتها.
قد تبدو هذه المقارنة التي يوظفها اللواء المتقاعد بين واقع الجزائريين زمن الاستعمار وحالهم اليوم غير موضوعية. لكنه يردّ في تبريره لها بأن النظام الحالي وصل إلى مرحلة أصبح فيها يمثل خطراً على البلاد، ولم يعد «يجدي معه حتى التغيير، إذ لا بد من قطيعة تامة عبر بناء نظام جديد، يوازن بين مؤسسات الدولة ويعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة». ومع أن فكرة «القطيعة» تبدو ملتبسة، إذ لم تظهر حتى الآن الآليات التي ستتحقق من خلالها «الجمهورية الثانية» التي يريدها اللواء المترشح، إلا أنه يصرّ على تكرارها في كل مرة، مُحاولاً إقناع الرأي العام بعدم جدوى استبدال رئيس برئيس، يبقي النظام نفسه الذي سيؤدي بالبلاد إلى الإفلاس.
وجد علي غديري بالأفكار التي يطرحها، والحماسة التي يتكلم بها، أنصاراً من النخبة التي بدأ بعض المنتسبين إليها ينخرطون في حملته تباعاً. خارج مكتبه، كان المحامي والحقوقي الشهير، مقران آيت العربي، يستقبل الضيوف ويوجّههم ويحرص على ضبط المواعيد للمترشّح الذي يسانده مع الشخصيات السياسية والحقوقية التي سبق له التعامل معها. كذلك، «اصطاد» اللواء المتقاعد مسانده الصحافي والكاتب المعروف، أحميدة العياشي، الذي بات يرتّب مواعيده الصحافية. وأضاف أخيراً إلى جعبته مساندة من الخبير الاقتصادي المعروف بتحاليله الجريئة، فرحات آيت علي. وحتى الناشطة السياسية، أميرة بوراوي، التي اشتهرت بتأسيس حركة «بركات» الرافضة لترشح الرئيس بوتفليقة في انتخابات 2014، أعلنت تعاطفها مع اللواء وكتبت منشورات تسانده.
يهاجم عدد من الديمقراطيين الرجل انطلاقاً من كونه عسكرياً


هذا الالتفاف يعتبره غديري أكبر رد على من يصنّفه كمرشح «زمرة» داخل النظام السياسي. وهو يؤكد أنه لا يراهن على أي جهة داخل النظام، بعدما أشيع أن قائد المخابرات السابق، الذي أقاله الرئيس بوتفليقة قبل 3 سنوات، هو من يحرّكه. السند الوحيد الذي يقول إنه يعتدّ به «هو إقناع الشعب بمشروعه البديل، بما يجعلهم يطلّقون فكرة المقاطعة المستمرة في كل المواعيد الانتخابية، (ويتّجهون) إلى غزو صناديق الاقتراع يوم 18 نيسان/ أبريل المقبل». ولا يتردد اللواء المتقاعد في توجيه اللوم للمعارضة على تعاطيها مع المواطنين؛ إذ إنها لا تقوم بالجهد الكافي لإقناع الشعب، وهو ما يشجع الرئيس الحالي على الاستمرار في الحكم، ربما لولاية خامسة.
لكن كيف يمكن لرجل لم يمارس السياسة أن يدّعي القدرة على إقناع الشعب؟ سؤال يبدو محرجاً للواء المتقاعد، الذي ظهر لتوّه في الساحة، لكنه أجاب متحدثاً عن تاريخه بالقول: «خدمت بلادي من موقعي كضابط سامٍ في الجيش، وجُبْت كل الولايات. الجيش في الجزائر شعبي، وأنا ابن الشعب، وليس هناك حواجز بيني وبينه». ويضيف: «أنا لم آت من العدم، لدي مسار طويل، واسمي منقوش على جدارية أكاديمية موسكو العسكرية، التي تشهد على تخرجي فيها بتفوق وامتياز. كانت لدي منذ الصغر ميول سياسية، وصقلتها من خلال دراستي للعلوم السياسية والقضايا الاستراتيجية وحصولي على درجة الدكتوراه فيها».
غير أن هذا المسار الذي يجتهد أنصار اللواء المتقاعد في تلميعه، لم يمنع ظهور مقاومة شرسة لترشحه لدى عدد من الجزائريين، الذين يصنفونه تارة في خانة «الاستئصاليين»، وهم المعادون للإسلاميين والعروبة، وأحياناً في «زمرة الفرونكوفيليين» المرتبطين بفرنسا، خاصة بعد تفضيله استعمال اللغة الفرنسية والجرائد الفرنكوفونية في نشر مقالاته، التي أثارت غضب قيادة الجيش. ويردّ غديري برفض تلك الاتهامات، قائلاً إن «لغته الأولى هي العربية، وإنه درس 15 حزباً من القرآن قبل التوجّه إلى المدارس التي كانت وقتها تدرّس بالفرنسية». ويشير إلى أنه ليست له عقدة من اللغات، فهو يتكلم العربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية والروسية. ويعتقد، في ما يخص مسألة الدين، بـ«ضرورة الدفاع عن إسلام عقلاني جزائري يبتعد عن التطرف». لكن عدداً من الديموقراطيين يهاجمون الرجل، انطلاقاً من كونه عسكرياً في بلد يحتاج إلى تمدين مؤسساته، ولا تبدو تصريحاته التي قال فيها إنه سيخرج السياسة من الثكنات قادرة على إقناعهم.