تبدّلت الأدوار بين الجانبين السعودي والإماراتي في الحرب على اليمن، وكذلك في إدارة المفاوضات السياسية مع صنعاء. تتصدّر أبو ظبي، راهناً، العمليات العسكرية في الساحل الغربي، وهي الطرف المتشدّد والمتشكّك والمعرقل للمسار السياسي. الدور الإماراتي السلبي يعبّر عنه الإعلام والمسؤولون في أبو ظبي يومياً وبأوجه مختلفة، كما لا يغيب التهجّم والتصويب على اتفاق السويد وتطبيقاته ومندرجاته عن القوى المحلية التي تدور في الفلك الإماراتي.لكن الانكفاء السعودي ليس مجرد انحناءة أو خفض للرأس، إذ إن أغلب المؤشرات توحي بأن الأخيرة في حالة إعياء لن تتعافى منها في المستقبل القريب، وأن عودتها الى رشدها في ما يتعلّق بالملف اليمني أمر متعذّر وليس متاحاً في الوقت الحاضر على الأقل. في موازاة ذلك، تحاول أبو ظبي تعويض التراجع السعودي بالتصدّي للملف اليمني، وتجهد من أجل إبعاد الأمم المتحدة عن هذا البلد، وتسعى إلى منع دخولها إلى الجزئيات أو النفاذ إلى كل ملفّاته، معتبرة أن تفاهم السويد شرّع الحضور الأممي، وحوّل الهدنة الهشّة بين الطرفين إلى تدخّل مستدام، الأمر الذي يخالف سياسة «التحالف» القائمة على الحصرية الخليجية في التعامل مع ملفّ اليمن.
على أن تبدّل المواقع بين الجانبين السعودي والإماراتي ليس مرتبطاً بالمناورات السياسية، أو بتوزيع الأدوار، بقدر ما هو انعكاس للانكفاء السعودي في الإطار العام، و«التعب» الذي أصاب المملكة نتيجة الفشل المستمر، والذي مثّلت مفاوضات السويد سبيلاً للخروج منه، وإن ببطء. تراجع وإرباك ناجمان عن التورط في مختلف الملفات الداخلية والخارجية، ومنها حرب اليمن، تستغلّهما أبو ظبي بأسلوب قبيح وانتهازي، يجلّي استماتة في الظهور بمظهر الصدارة والتفوق والاقتدار بشكل مستفز للجانب السعودي. وهذا ما عبّر عنه مغردون مقرّبون من مركز القرار الإماراتي، بالقول إن «أبو ظبي باتت مركز الثقل العربي»، في إشارة بالغة الدلالة تكشف عن نيّات مبيّتة ضد السعودية، التي كانت حتى الأمس القريب «الشقيقة الكبرى».
تجاهلت الرياض رغبة أبو ظبي الجامحة في قضم المحافظات الجنوبية


ومهما حاول الجانبان السعودي والإماراتي إخفاء خلافاتهما في شأن اليمن، فهما لا يستطيعان ذلك، سواءً في ما يتصل بمطامعهما في ثروات هذا البلد، أو في نظرتهما إلى عملية بناء التحالفات داخله. من ذلك، مثلاً ، أن الإمارات لا تزال تعتبر «إخوان اليمن» تهديداً بارزاً لها، وتتصرّف على هذا الأساس، فيما تعدّهم السعودية أصدقاء، وتحتضن قياداتهم، وتمثّل أجنحة في ذراعهم العسكرية ورقة بيدها. تسعى كلّ من الرياض وأبو ظبي إلى إظهار تفاهمهما، وهما بالفعل مجتمعتان على مصالح مشتركة عديدة، إلا أن الصراع السياسي بينهما لم يهدأ أبداً، ولو أتيح لأدواتهما التفلّت من القيود المرسومة، لوصل الأمر فوراً إلى معارك الإلغاء والإقصاء بين الأجنحة والميليشيات العسكرية، علماً بأن حالة التوتر هذه لا تكاد تهدأ. ففي الأيام القليلة الماضية، وصلت الأمور بنائب رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، هاني بن بريك، إلى القول من أبو ظبي إن «من يريد استمرار تقوية حزب الإصلاح اليمني، فهو خائن للأمة العربية والإسلامية. تكفي أربع سنوات من الغدر واستنزاف التحالف»، ليأتي الردّ في اليوم التالي من سفير السعودية لدى اليمن، محمد آل جابر، باستقبال قيادة «الإصلاح». كذلك، تصاعد التوتر أخيراً في محافظة شبوة بين الطرفين المحسوبَين على السعودية والإمارات، على خلفية السيطرة على آبار النفط. ومذّاك، تدور مناوشات بأشكال مختلفة، أبرزها حرق متبادل لقاطرات النفط في منطقة العقلة. وقد تدخّلت قوات «النخبة الشبوانية»، المحسوبة على الإمارات، في تلك المناوشات، وسيطرت على مديرية العرم لقطع الطريق على قوات الجنرال علي محسن الأحمر، تحت ذريعة محاربة «القاعدة»، فيما استقدمت قوات الأحمر تعزيزات إضافية إلى منطقة الاشتباك.
لقد نجحت الإمارات، في انخراطها إلى جانب السعودية في الحرب، في احتلال جنوب اليمن، ومن ثم التحكّم في البلد ومفاصله الرئيسية، كما نجحت في ترفيع مجموعة من القادة الميدانيين المغمورين إلى قمّة الهرم في الجنوب، بعدما أسهموا معها في تنفيذ مخططاتها بعيداً عن قضيتهم السياسية. في المقابل، تجاهلت الرياض رغبة أبو ظبي الجامحة في قضم المحافظات الجنوبية، واعتبارها فريستها الكسيحة كثمن طبيعي لمغامرتها العسكرية خارج الحدود، على خلاف تاريخها وأصل السياسة العامة للدولة. ويظهر أن منشأ التجاهل السعودي ينطلق من اعتقادها بأن الإمارات وكيلة مؤقّتة تقوم بدور الأصيل (السعودي)، الذي يرفض تاريخياً أي منافسة له في ملفّ اليمن. وإذا كان لا بدّ من جائزة ترضية لأبو ظبي كثمن لأتعابها ومشاركتها في الحرب، فهي إعادة تفعيل العقد القديم بين الجانبين اليمني والإماراتي بخصوص الاستثمار في ميناء عدن، والمقصود هنا ضمانات سعودية بأن لا يشكّل ميناء عدن بديلاً مستقبلياً يضعف ميناء جبل علي الإماراتي.