لم تُحسم نتيجة المعارك في محيط جيب «داعش» الأخير قرب الحدود السورية ـــ العراقية، على رغم الزخم العسكري الكبير الذي تميّزت به عمليات «التحالف الدولي» هناك، منذ إعلان البيت الأبيض نوايا سحب القوات من سوريا. وبعدما بدا أن كفّة الميدان مالت لمصلحة «التحالف» بعد حملة قصف واسعة تخلّلها خروج مئات من المدنيين ومقاتلي «داعش» في إطار «تسويات» مع «قوات سوريا الديموقراطية»، عاد التنظيم أمس لاستعادة عدد من المواقع التي خسرها. وعلى رغم المدّ والجزر الميداني، تتقاطع المعطيات الواردة من وادي نهر الفرات، لتشير إلى أن القرار الأميركي الرسمي (على الأقل) يسعى لحسم ملف هذا الجيب بشكل سريع، بالنار والمفاوضات، قبل نضوج تفاهمات جديدة مع تركيا. وتدعم تقديرات غير رسمية لعدد الغارات الجوية التي نفّذها «التحالف» في سوريا، هذا التقدير؛ إذ ارتفع العدد من نحو 200 في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي إلى حدود 900 في كانون الأول/ ديسمبر، ليتجاوز حاجز 1200 قبل نهاية كانون الثاني/ يناير الجاري. وترتبط حسابات واشنطن في هذا الشأن، بقلقها من الفراغ الذي قد يخلّفه انسحاب عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية من جبهات وادي الفرات، إن صعّدت تركيا على الحدود الشمالية، إلى جانب تحفّظها على هوية بعض القوات التي قد تشارك في تعويض ذلك الفراغ من الجانب العراقي.
أكدت «الوحدات» أن مسار المحادثات مع دمشق «إيجابي»

وبعد نحو أربعة أشهر ونصف شهر على إطلاق المرحلة «الأخيرة» من عمليات «التحالف» لإنهاء تواجد «داعش» ما بين بلدتَي هجين والباغوز، أسهم تكثيف الغارات الجوية ونقص الإمدادات الغذائية في مناطق سيطرة التنظيم، في انهيار متسارع في صفوف التنظيم؛ إذ تخلّى مئات من عناصره عن السلاح وسلّموا أنفسهم إلى «التحالف». وتشير المعلومات إلى خروج أكثر من 30 ألف شخص، بينهم نحو ألفين من عناصر «داعش» من الجيب إلى مناطق «قسد»، حيث تم نقلهم إلى مخيمات ومراكز اعتقال في ريف الحسكة. وكانت فاتورة التصعيد العسكري الأميركي كبيرة جداً، إذ تقدّر أعداد من استشهد من المدنيين بالمئات، وكان آخرهم نحو 30 مدنياً قضوا بقصف على آليات كانت تنقلهم من بلدة الباغوز. وقبل هجوم «داعش» المضاد أمس، فرض «التحالف» سيطرته على بلدات السوسة وحاوي السوسة والباغوز التحتاني وموزان، وانحصر تواجد التنظيم بجيب يمتدّ على طول سبعة كيلومترات، وعرض لا يزيد على عشرة كيلومترات. وأوضحت مصادر ميدانية أن «الاشتباكات لا تزال مستمرة، بشكل متقطّع، في بلدات الباغوز الفوقاني والمراشدة والسفافنة والعرقوب»، مضيفة أن «معظم عناصر التنظيم قاموا بتسليم أنفسهم، فيما لا يزال بعض المقاتلين الأجانب يحاولون المقاومة في آخر البلدات». ولفتت المصادر إلى أن «العائق الأكبر أمام التقدم الميداني هو الوجود الكثيف للألغام التي زرعها التنظيم في تلك المناطق». كما اعتبرت أن «كل الدلائل تشير إلى عدم وجود أي من قيادات الصف الأول والثاني لداعش داخل الجيب المحاصر، وسط غموض يلف مصيرهم». وتوقعت المصادر نفسها أن «تعلَن السيطرة على كامل جيب داعش مطلع الشهر المقبل»، وهو موعدٌ يراعي الجدول الزمني المفترض للانسحاب الأميركي، وفق ما رشح عن أوساط عسكرية أميركية بشكل غير رسمي.
وفي موازاة التطورات الميدانية في شرق الفرات، المترابطة عضوياً مع الخطط الأميركية لمستقبل المنطقة، برز تركيز تركيّ لافت على «اتفاقية أضنة» الموقّعة بين دمشق وأنقرة في العام 1998. الحديث الرسمي الأول عن «فاعلية» هذه الاتفاقية جاء على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أول من أمس، خلال استقباله نظيره التركي رجب طيب أردوغان. وخلال أقل من 24 ساعة، خرج كل من أردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، للحديث عن الاتفاقية نفسها، وضرورة عودتها إلى «التداول»، بحكم أنها تتيح للجانب التركي تحركاً عسكرياً محدوداً داخل الأراضي السورية. وفي موازاة إشارته إلى وجود «تواصل غير مباشر» بين أنقرة ودمشق، عبر القنوات الروسية والإيرانية، أكد جاويش أوغلو أن بلاده قادرة على «إقامة المنطقة الآمنة واتخاذ الإجراءات الضرورية» بمفردها. وكشف الوزير التركي عن زيارة ممثل وزير الخارجية الأميركي للشؤون السورية، جايمس جيفري، أمس، إلى أنقرة. وحتى وقت متأخر من ليل أمس، لم يخرج أي تفاصيل عن أجواء تلك الزيارة. وعلى المقلب الآخر من الحدود، خرج قائد «الوحدات» الكردية، سيبان حمو، ليوضح في تصريح لوكالة «رويترز»، أن هناك محاولات لإجراء مفاوضات مع الجانب الحكومي السوري، مضيفاً أن «موقف الحكومة السورية كان إيجابياً... ونعتقد أن تبدأ (المفاوضات) في الأيام المقبلة». وقال حمو إن جيفري تحدث خلال زيارته الأخيرة إلى مناطق شرق الفرات عن إرضاء تركيا وحماية تلك المناطق في الوقت نفسه، على حدّ ما نقلت «رويترز».