أكد مسؤولون إسرائيليون لصحيفة «هآرتس» أمس أن تل أبيب وأنقرة «قريبتان جدا من توقيع اتفاق مصالحة بينهما»، كاشفين عن أن الاتصالات بين الجانبين قد تنضج خلال أيام. وكانت القناة العاشرة الإسرائيلية قد كشفت عن زيارة يقوم بها وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية، فريدون سينيرلي، لإسرائيل منذ الأحد الماضي، للتفاوض حول التعويضات التي ستدفعها إسرائيل لعائلات القتلى الأتراك، الذين قتلتهم قواتها الخاصة أثناء اقتحامها سفينة مرمرة عام 2010.
وذكرت صحيفة هآرتس أول من أمس أن الجولة الأخيرة من المفاوضات بين إسرائيل وتركيا جرت في إسطنبول مطلع كانون الأول الماضي، مشيرة إلى أن الجانب التركي أبدى مرونة خلالها حول قيمة التعويضات المطلوبة.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين غربيين قولهم إن المبلغ الجديد الذي يطالب به الأتراك هو 30 مليون دولار، فيما تبدي تل أبيب استعدادها لدفع 15 مليون دولار فقط. وبحسب هآرتس، فإن مشاروات داخلية حصلت في إسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة، أفضت إلى اتخاذ رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قرارا بتحسين العرض الإسرائيلي وزيادة المبلغ المقترح إلى 20 مليون دولار. وأشار الدبلوماسيون الغربيون للصحيفة إلى أن نتنياهو أعطى فريق التفاوض الإسرائيلي هامش مرونة بمقدار 2 إلى 3 ملايين دولار إذا توقف إبرام الصفقة على ذلك. وتصر إسرائيل في المقابل على عدم دفع الأموال مباشرة إلى عوائل القتلى والجرحى، بل على إيداعها في صندوق إنساني يجري تحول الأموال منه إلى العوائل وفقا لمعايير محددة.
وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل معنية من خلال إبرام اتفاق التعويضات مع تركيا بتطبيع العلاقات مع تركيا على نحو كامل، وعدم الاكتفاء بالخطوة الشكلية لإعادة السفير التركي إلى تل أبيب، والسفير الإسرائيلي إلى أنقرة. وفي هذا الإطار تطلب إسرائيل استئناف الحوار السياسي بين الحكومتين، وكذلك استئناف اللقاءات بين الوزراء والزيارات المتبادلة وغير ذلك من أوجه التطبيع، كما تتوقع إسرائيل أن يتعهد الجانب التركي عدم العمل ضدها في الهيئات الدولية، ووقف مهاجمتها في وسائل الإعلام المحلية.
وكان نائب رئيس الوزراء التركي، بولانت أرينتش، قد أكد أول من أمس حصول تقدم في المفاوضات مع تل أبيب، مشيرا إلى أن قيمة التعويضات التي تطالب بها بلاده تستند إلى القانون الدولي، وإلى سوابق شبيهة.
وقال أرينتش إن حكومة بلاده معنية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لافتا إلى أنه في اللحظة التي يجري فيها التوصل إلى اتفاق سيباشر الجانبان تطبيع العلاقات وسيُعين كل منهما سفيرا جديدا لدى الآخر. وأوضح المسؤول التركي أن الاتفاق سيُحال بعد توقيعه على البرلمان التركي للموافقة عليه، وتاليا سيتحول إلى قانون ملزم. وفي هذه الحالة، سيلغي القانون الدعاوى المقدمة أمام القضاء التركي ضد ضباط وجنود إسرائيليين متورطين في عملية اقتحام السفينة التركية، كما سيمنع تقديم دعاوى مماثلة في المستقبل.
وفي السياق، رأى مراسل الشؤون الإقليمية في هآرتس، تسفي هارئيل، أن الاتفاق المتبلور يظهر مرة أخرى أن المصالح بين إسرائيل وتركيا تفوق المشاعر. ورأى الكاتب أن الأزمة السورية أحدثت، للمفارقة، قراءة متجددة للخريطة الاستراتيجية ساعدت على تقريب الجانبين إلى بعضهما بعضاً: فالتطلع الى بلورة سياسة إقليمية مشتركة تجاه سوريا، والتخوف من انتقال الحرب فيها، تعاظم المنظمات الاسلامية، التوتر حيال إمكان حصول هجوم اسرائيلي في ايران، كل ذلك حرّك واشنطن لممارسة الضغوط لإنهاء هذا النزع الثانوي.
وبحسب هارئيل، فإن الاتفاق من شأنه أن يضع تركيا أمام جملة استحقاقات، إذ سيتعين عليها أن تفكر كيف سيؤثر استئناف العلاقات مع إسرائيل في حملة بناء العلاقات مع إيران، وإذا ما كان من الحكمة استئناف العلاقات بالذات في وقت تبدو فيه محادثات السلام مع الفلسطينيين على شفير الانهيار، وهل سيكون لاستئناف العلاقات تأثير في إعادة ترميم مكانة أردوغان، الذي ينظر إليه على أنه دفع تركيا نحو العزلة الإقليمية.