حلب | يواجه الجيش السوري تنظيمات مسلّحة شرسة في مختلف المناطق والمدن السورية. بعد توسع رقعة المعارك، انضمت إلى القتال قوات رديفة للجيش، تحت مسميات كثيرة: «اللجان الشعبية»، «جيش الدفاع الوطني»، «المقاومة السورية»، «كتائب البعث»... الجديد اليوم هو «قوات الأمن والدعم الشعبية ــ قادش».
تتألف «قادش» من عناصر شبه عسكرية من الاحتياط الذين لم يتم استدعاؤهم إلى الخدمة، والذين هم من أبناء الأرياف الشمالية والغربية لحلب (شمال سوريا). الكثير من هؤلاء حرقت منازلهم وقتل أقاربهم على أيدي المسلحين في بداية الازمة، وتمّ تهجيرهم من قراهم بسبب تأييدهم للنظام.
عبدالله، وهو من قرية حيان (شمال حلب)، من عائلة انخرط كثير من شبانها في الجماعات المسلحة، غير أنه آثر الفرار من القرية للانضمام إلى قوات «قادش». يقول عبدالله لـ«الأخبار»: «أنا ابن قرية حيان، وأعرف ماذا جرى فيها من خداع باسم الحرية. الرعاع موّلتهم جهات خارجية وهم من حمل السلاح وخرّب حياتنا. لم يعد لدينا ما نخسره في هذه الفوضى العارمة». يشير عبدالله الى أن «الارهاب نجح في إسكات الغالبية في قريته وجعل بعضهم ينضم الى المسلحين أو التمنّع عن إعلان تأييده للدولة، لأن القتل ونهب الممتلكات هما الرد الفوري من هؤلاء».
لكل عنصر من «قادش» قريب أو أكثر في المجموعات المسلحة. يفتخر هؤلاء بأن ابن عم خالد الحياني، قائد «لواء شهداء بدر» المعارض، فرّ من القرية والتحق بقوات «قادش» لمحاربة ابن عمه.
أما «أبو ليث»، ابن منطقة الباب، فيرى أن «القتال واجب وطني وخدمة للوطن الذي منحنا كل شيء. وهو اليوم في حالة لا تسرّ سوى إسرائيل».
«قادش» التي تشكّلت فصائلها منذ حوالى شهرين، ويتحفظ قادتها عن عدد كتائبها أو عناصرها، شاركت بفعالية في معارك الليرمون في الشهر الماضي. كذلك تمكّنت من اقتحام سلسلة من المعامل ووصلت إلى مسافة قريبة من كراج الليرمون. يقف أحمد الحياني في أحد المعامل المنهوبة: «هنا نطلّ على أخطر النقاط التي يحتمل أن يتسلّل منها المسلحون، رصاص القنص لا يتوقف بهدف كشف نقاط تمركزنا».
من جهته، يقول أبو محمد، الرجل الاربعيني من ريف حلب الشمالي، وهو يشعل الحطب للتدفئة: «نحن هنا قوة جديدة ستأخذ زمام المبادرة وتواجه العصابات التي احتلت الريف الحلبي وخرّبت سوريا. نحن أبناء حلب سنحررها مع الجيش».
لا يخفى أن من شكّل هذه القوة وسمّاها إنما يسعى وفق مصدر مطلع إلى «لمّ شمل آلاف من الشبان الحلبيين الذين هجرتهم الثورة من بيوتهم والانتهاء من حالة السلبية التي تنتظر الجيش لكي يحرر القرى ويعيدهم إلى بيوتهم».
يفتخر عناصر «قادش» بأن لباسهم موحّد كلباس الجيش السوري، إضافة الى تدريبهم العالي على حرب العصابات. كذلك فإنهم لم يفقدوا أي شهيد خلال الشهر الاول من المعارك التي خاضوها، والتي تميزت بمعارك وجهاً لوجه وعمليات اقتحام لأبنية مفخخة. لا يتقاضى معظم المتطوعين في «قادش» رواتب، بحسب مصدر مقرب منهم. لكن، «وبعد أدائهم الجيد في الشهر الاول من عملهم، ستتم معاملتهم كعناصر الدفاع الوطني»، على حد قول المصدر نفسه. يشار إلى أن عناصر الدفاع الوطني يتقاضون رواتب تتراواح بين 20 و30 ألف ليرة سورية (بين 150 و225 دولارا أميركيا).
وحصل عناصر «قادش» على تدريبات عسكرية عالية المستوى، وهم يتقنون كشف المفخخات والقنص واستخدام الأسلحة الفردية والمتوسطة، ويعملون تحت إشراف وحدات الحرس الجمهوري وإلى جانبها، سواء في الاقتحامات أو في الرصد وتوجيه الإحداثيات. وتنتشر القوات على مساحة واسعة من معامل الليرمون التي كانت حتى وقت قريب تصدر الألبسة الجاهزة إلى عشرات الدول العربية.
لم يقتصر انتشار قوات «قادش» على منطقة الليرمون، إذ لوحظ وجودها في أكثر من منطقة في مدينة حلب، ولا سيما في منطقتي الفيض والمشارقة القريبتين من معبر بستان القصر، حيث تتمركز الجماعات المعارضة.
يتعايش عناصر «قادش» مع قذائف الهاون وأسطوانات الغاز المفخخة كل يوم. يقول أحدهم ممازحاً: «هنا تمطر علينا مطراً وهاونات وغازاً». وردّاً على سؤال عمّا إذا أطلق عليهم غازات كيميائية، «لاه لاه جرّات غاز من مدفع جهنم». وبحسب مصدر في «قادش»، فإن معدل السقوط اليومي لأسطوانات الغاز لا يقل عن 30 واحدة.
لماذا «قادش»؟ «قادش»، هو اسم المعركة التي هُزم فيها الحثيون الذين غزوا بلاد الشام انطلاقاً من الاناضول في تركيا الحالية، وتصدى لهم جيش الفراعنة جنوبي حمص، بالقرب من قرية قادش الموجودة حتى اليوم جنوبي بحيرة قطينة، في ريف القصير. لكن قادش التاريخية انتهت بصلح لا يبدو أن أياً من أطراف الحرب السورية مستعد له اليوم.