برغم المواقف العنترية التي أدلى بها أمس مسؤولون إسرائيليون وتحدّوا فيها المقاطعة الاقتصادية التي تلوح في الأفق جراء التصلب الذي تبديه تل أبيب في مفاوضات التسوية، إلا أن واقع الهلع الذي يختبئ وراء هذه المواقف شيء آخر. وليس أدل على هذا الواقع من إعلان الحكومة الإسرائيلية أنها ستخصص اجتماعاً استثنائياً لبحث هذا الموضوع، وتباري الوزراء في ما بينهم لتقديم طروحات حول كيفية التصدي للمقاطعة الزاحفة.
والمفارقة الأبرز على هذا الصعيد كانت في احتدام الخلاف بين وزارة الخارجية، التي قال مصدر رفيع فيها لصحيفة «معاريف» إنه «لا يمكن فعل شيء لمنع (تنامي) هذه الظاهرة»، ووزارة الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية، المكلفة رسمياً بهذا الملف، والتي أعلن رئيسها، يوفال شتاينتس، أنها تعدّ خطة شاملة لمكافحة ظاهرة المقاطعات. ففي حين يطالب شتيانتس بعشرات ملايين الشواكل لتمويل خطته القائمة على استخدام الإعلام والدعاية وتفعيل دول المنظمات الدولية المتعاطفة مع إسرائيل، ترى مصادر وزارة الخارجية أن من شأن هكذا خطة أن «تزيد حدة المشكلة»، وخصوصاً أن الجهات الأوروبية التي تعلن تباعاً مقاطعتها لشركات إسرائيلية هي جهات خاصة ليس للحكومات بالضرورة تأثير عليها.
وإذ تربط مصادر وزارة الخارجية بين المقاطعة والاستيطان، فإنها تحذر من أن المقاطعة تتحول في أوروبا إلى ما يشبه «الموضة»، مشيرةً إلى أن الممثليات الإسرائيلية في أوروبا تشخص اتجاهاً سلبياً متزايداً «فهناك شركات تقرر مقاطعة شركات إسرائيلية فقط لأنها تريد أن تكون جزءاً من الموجة». وتضيف المصادر «لا يمكن مواجهة المشكلة طالما أننا لا نتواجه مع الاستيطان».
وكان نحو 100 رجل أعمال إسرائيلي قد حذّروا رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أخيراً من اتساع ظاهرة المقاطعة وتداعياتها السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، داعين إياه إلى اغتنام فرصة الجهود الأميركية للتوصل إلى السلام مع الفلسطينيين. وفي خطوة لافتة، انضم وزير المالية، يائير لابيد، إلى قائمة المحذرين من عواقب المقاطعة كاشفاً عن تقرير أعدّته وزارته حول هذا الأمر. وبحسب هذا التقرير، فإنه في حال تنامي المقاطعة فإن الصادرات الإسرائيلية قد تتراجع بحوالى 20 مليار شيكل سنوياً (4,2 مليارات يورو) وإجمالي الناتج الداخلي بحوالى 11 مليار شيكل سنوياً (حوالى 2,3 مليار يورو)، الأمر الذي سينعكس في ارتفاع نسبة البطالة مع الاضطرار إلى تسريح نحو 9800 عامل.
ولا يختلف اثنان في إسرائيل على أن الطفرة الاقتصادية التي شهدها الاقتصاد الإسرائيلي خلال العقدين الأخيرين يعود فضلها في الأساس إلى الانفتاح الذي حققه انخراط تل أبيب في عملية التسوية وما رافق ذلك من السقوط المتوالي لأسوار المقاطعة التي كانت قائمة بفعل الصراع العربي الإسرائيلي. ولذلك تكمن الخشية في إسرائيل حالياً من سعي الدول الغربية إلى إعادة العجلة إلى الوراء وربط استمرار الازدهار الاقتصادي بتقديم إسرائيل تنازلات جوهرية في ما يتعلق بقضايا الحل الدائم، ومن ضمنها الاستيطان. ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن مسؤولين كباراً في الاتحاد الأوروبي لا يستبعدون المضيّ قدماً في عقوبات تشبه العقوبات التي فرضت على جنوب أفريقيا في حقبة الفصل العنصري إذا فشلت المفاوضات واعتبرت إسرائيل مسؤولة عن هذا الفشل.