تتكثف الاجتماعات والزيارات ــــ المعلنة والسرية ــــ المعنيّة ببحث مصير مناطق شرقيّ الفرات منذ إعلان البيت الأبيض انسحاباً مرتقباً للقوات الأميركية من سوريا، في وقت يعكس فيه النشاط الميداني، وخاصة في محيط منبج، حساسية تلك المحادثات وتعقيدها. التحالفات التي نسجتها القوى المسيطرة في شمال سوريا وشرقها خلال السنوات الماضية، دفعت اليوم «مجلس سوريا الديموقراطية» إلى البحث عن بديل (أو بدائل) من «الشريك» الأميركي، عبر فتح قنوات مع الدول الأوروبية المنخرطة في «التحالف الدولي» ومع كل من موسكو ودمشق، للوصول إلى «تسوية» تجنّب منطقة شرقيّ الفرات عواقب احتلال تركي على غرار ما جرى في عفرين. هذا البحث يأتي في موازاة محادثات دولية نشطة، أكثر ثقلاً، تنخرط فيها أطراف عدة بنحو منفصل، أبرزها الولايات المتحدة الأميركية وتركيا وروسيا. الجانب التركي كشف أمس على لسان المتحدث باسم حزب «العدالة والتنمية» عمر جليك، أن وفداً يضم كلاً من وزيري، الخارجية مولود جاويش أوغلو، والدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات حقان فيدان، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، سيصل إلى العاصمة الروسية موسكو السبت المقبل، ليناقش الملف السوري بشكل خاص، ويجري خلاله بيان ما إذا كان هناك حاجة للقاء على مستوى رئيسي البلدين. كما قال جليك إن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، سيزور تركيا في مطلع الشهر المقبل، لبحث ملابسات الانسحاب الأميركي من سوريا. وكان لافتاً في حديث جليك، إشارته إلى أن الزيارة تأتي في موازاة «ظهور مشهد جديد على الساحة السورية». هذا المشهد الجديد يستدعي تنسيقاً تركيا مع الدول التي شاركت أنقرة في إدارة دفة تلك الساحة الميدانية والسياسية، وعلى رأسها روسيا وإيران. وهو ما أشارت إليه تصريحات المسؤولين الأتراك غير مرة، كما نشاط قنوات التفاوض الجانبية. إذ تتواصل المحادثات التي يجريها وفد من «مجلس سوريا الديموقراطية» في موسكو، بعد لقاءات سابقة في قاعدة حميميم الجوية. وأكّد الرئيس المشترك لـ«المجلس» رياض درار، أنه «نوقشت مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، مع مسؤولين روس في موسكو، وبحث إمكانية التوصل إلى تفاهم مع الجانب الحكومي السوري يحمي مناطقنا من الاحتلال التركي». وجدد درار المطالبة بأن يأخذ الجيش السوري «دوره في الدفاع عن كامل الحدود، من منطلق أنه رمز الوطن»، مؤكداً أن «من واجب الجيش حماية الحدود من أي مخاطر، ويجب ألا يتردد في تأدية واجبه كما حصل في عفرين»، على حدّ تعبيره. وعن الآلية المفترضة لدخول الجيش السوري إلى مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» في ظل عدم وجود تفاهم أو اتفاق يتيح ذلك، قال درار إن «هذا الأمر تُرك للجانب الروسي لتنسيقه، ولعب دور الوسيط والإشراف على نشر القوات، في حال نجاح دور الوساطة»، مضيفاً في السياق ذاته، تعليقاً على سؤال عن تمسك «مسد» بمطلب «الإدارة الذاتية» أو «اللامركزية الديموقراطية» كشرط لإنجاز أي اتفاق، أنها «تفاصيل باتت بحوزة الروس، وهي غير قابلة للنشر حالياً».
جدد «مجلس سوريا الديموقراطية» مطالبة الجيش السوري بحماية الحدود

وفي انتظار مصير تلك المحادثات، تبدو مدينة منبج التي تحضر في محيطها (تقريباً) كل القوى المنخرطة في المحادثات في شأن شرق الفرات، مسرحاً تنعكس فيه تجاذبات تلك القوى ميدانياً. فبينما تشير المعطيات المتوافرة إلى وجود تحضيرات أميركية لانسحاب كامل من منطقة منبج، تزامناً مع تحشيد عسكري للفصائل العاملة تحت راية أنقرة في محيط المنطقة، يكرر عدد كبير من مسؤولي «مسد» تصريحات «مطمئنة» في اللقاءات الشعبية المحلية، تظهر وجود رهان حذر على دور غربي، قد تؤديه فرنسا وبريطانيا، لدعم «المجلس» في وجه الجانب التركي. وفي المقابل، برز تطور لافت تمثل بعودة القوات الروسية إلى نقطة المراقبة التي أنشأتها سابقاً في بلدة العريمة في ريف منبج الغربي، في موازاة تنامي الدور الروسي في المحادثات النشطة. وترافقت العودة الروسية مع تحشيدات عسكرية للجيش السوري باتجاه ريفي منبج والباب، في خطوة تبدو كبادرة «حسن نية» وتشير إلى استعداد دمشق لنشر قوات الجيش في مناطق التماس المحيطة بمنبج، إن حصل ذلك وفق اتفاق شامل لم ينجز بعد، وسط مطالب بنشر وحدات نظامية، وعدم الاكتفاء بإرسال «قوات رديفة». وفي هذا السياق، أكد الناطق باسم «مجلس منبج العسكري» شرفان درويش، أن «هناك قنوات تواصل مع الجانبين الروسي والحكومي، تهدف إلى حماية مدينة منبج من الأطماع التركية»، مضيفاً أن «التعزيزات العسكرية التي وصلت إلى مناطق سيطرة الجيش السوري في ريف منبج، جرت بمعرفتنا والتنسيق معنا». وأكد درويش أن «التواصل مستمر، وننتظر نتائج إيجابية تسهم بحماية أبناء الوطن لمدينة منبج». ويُظهر حديث درويش انخفاض ثقة قواته بدور أعضاء «التحالف» الذين أعلنوا استمرار وجود قواتهم رغم الانسحاب الأميركي، من خلال القول إن «التحالف موجود ويسيّر دوريات في منبج، لكن وجوده لن يكون دائماً، لذلك الأفضل أن يتفق السوريون لحماية حدودهم من الاحتلال التركي».