لماذا يسهل استهداف طرابلس؟
فيما تنخرط واشنطن في «حرب» على تنظيم «داعش» من السماء، لم تشمل الغارات التي تشنها بواسطة الطائرات المسيرة، العاصمة طرابلس، التي تؤوي حوالى ثلث سكان البلاد، بل انحصرت في مناطق صحراوية ونائية، تجنباً للإضرار بالمدنيين (مع أن هذا يحصل على نحو متكرر)، ما سمح للتنظيم التأقلم معها بخلق تكتيكات جديدة. ظلت نتائج هذه الغارات محدودةً، في ظل غياب تنسيق ميداني فعلي يتجاوز التنسيق الديبلوماسي مع حكومة «الوفاق»، غير أن العاصمة، تحوي عشرات التشكيلات العسكرية غير النظامية، التي لا يُمكن التنسيق معها، أو تمييزها عملياً عن عناصر «داعش». تكمن العقدة الأهم، في أن هذه الميليشيات مشتتة، على رغم سعيها أخيراً إلى رسم إطار موحد للتنسيق في ما بينها، تحت مسمى «قوة حماية طرابلس»، الذي كانت قد استخدمته نهاية الصيف الماضي، لصد هجوم ميليشيات من مدينتي ترهونة ومصراتة. لكن تلك الميليشيات، تعاني من نقص في التدريب والحرفية (يكفي الاطلاع على صور عناصرها الذين حضروا بعد الهجوم وهم بملابسهم المنزلية لإثبات ذلك)، على رغم استفادة بعضها، التابعة اسمياً لوزارتي الداخلية والدفاع، من برامج تدريب من تونس والأردن ودول أوروبية.
الحرب الأخيرة في طرابلس، التي استمرت نحو الشهر، قامت بدوافع تتعلق بعمل تلك الميليشيات، إذ برر المهاجمون للعاصمة تحركهم بوضع حد لـ«دواعش المال العام»، في إشارة لاستفادة التشكيلات العسكرية الطرابلسية من ضرائب تفرضها على البنوك، واختراقها منظومة التجارة الدولية، لتسيطر على سوق العملة الموازية. حينها، تضمَّن اتفاق إنهاء الحرب، تعهُّد حكومة «الوفاق الوطني»، بتنفيذ ترتيبات أمنية جديدة، يتم وفقها خلق قوى أمنية نظامية، مشكلةً من جميع مدن البلاد، وإخراج الأسلحة الثقيلة خارج مناطق العمران. مرت نحو أربعة أشهر على نهاية الاشتباكات، ولم يطبق شيء كثير من الاتفاق، خصوصاً في شقه الخاص بالأمن، كما لو أن الميليشيات تعيش في حالة إنكار للاتفاق. الباحث الليبي بشير الزواوي، يرى في حديث إلى «الأخبار»، أن الميليشيات «تعيش في مأزق حقيقي، فهي تبحث عن مخرج، لكنها لا تريد أن يكون على حسابها»، موضحاً أن طرابلس لها خصوصية، فـ«التشكيلات المسلحة الموجودة فيها، ترى أنها تمثل أبناء المدينة، وهي الأوْلى بحمايتها». يقود ذلك إلى إمكان «تحصيلها بعض الدعم الشعبي، ورفضها التخلي عن مواقعها أو مهامها، خصوصاً حينما تشعر أن مصالحها مهددة».
غيَّر «داعش» استراتيجيته من التمركز في مجال محدود إلى التخفي وتنويع الأهداف
تبدو نظرة الزواوي إلى المستقبل متشائمة، إذ لا يتوقع أن يكون لميليشيات طرابلس «أي رد فعل مباشر أو أية مبادرة». وما يفاقم الحس السلبي أيضاً، تصريحات وزير الداخلية، المعيّن حديثاً، فتحي باشاغا، مع وزير الخارجية، محمد سيالة، والناطق باسم رئيس المجلس الرئاسي، محمد السلاك، خلال مؤتمر صحافي، عقد أول من أمس، أقر فيه بعدم تطبيق الترتيبات الأمنية، وحذر من الفوضى الأمنية التي ستوفر للإرهاب مداخل جديدة، مشتكياً من أن وزارته لا تملك موازنة! فيما اعتبر وزير الخارجية، أنه لا يمكن تنفيذ تلك الترتيبات، في ظل استمرار الحظر على توريد الأسلحة، متعهداً بمواصلة الضغط في اتجاه رفعه. لكن من جهة، يبدو الرجل كما لو أنه لا يعيش في البلد الذي يحوي ترسانة عسكرية ضخمة فاضت عنه، لتتوزع إلى دول الجوار، ومن ناحية ثانية، يبدو شديد التفاؤل، لوثوقه في وصول الأسلحة المستوردة إلى الأجهزة النظامية وحدها، بعيداً من أيدي الميليشيات، التي تجرأت سابقاً على مهاجمة منزل مدير الأمن الرئاسي، واحتجازه، وتجريد عدد من أعوان جهازه من أسلحتهم وصلاحياتهم.