دمشق | تبلغ كتلة الأموال المخصصة للإقراض قرابة 1800 مليار ليرة سوريا، وفق تصريحات وزير المالية مأمون حمدان، فيما لم تُمنح منها قروض تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة منذ إصدار القرار في آذار الماضي. ويُرجع بعض الصناعيين ذلك إلى حجم التمويل الكبير الذي تحتاج إليه المنشآت الصناعية بعد تعرّضها لدمار كبير، وهو ما يصعُب على المصرف تأمينه، إلى جانب الضمانات الكثيرة كمنع السفر، والتي شكّلت مصدر خوف وقلقاً لمعظم الصناعيين.عدد من صناعيين، التقتهم «الأخبار»، فضّلوا الاعتماد على مواردهم الذاتية في عملية ترميم منشآتهم المدمّرة، بسبب فوائد القروض المرتفعة حسب قولهم. فالمفروض وفق رأيهم، تقدير أوضاعهم ومنحهم تسهيلات لمباشرة الإنتاج لا التضييق عليهم. التمويل الذاتي هو ما لجأ إليه عدد من صناعيي القابون (ريف دمشق)، المهددة معاملهم بالهدم، إذا فضّل الصناعي عاطف طيفور الاعتماد على موارده فقط، حتى لو استغرق ذلك فترة أطول بدل اللجوء إلى قرض بفوائد عالية. ويوافق عضو غرفة صناعة دمشق وريفها أكرم الحلاق، على هذا الطرح وإن بلهجة توفيقية تشير إلى إمكانية الاستفادة من «شركاء جدد أو عبر الاقتراض»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن عدداً من الصناعيين تشجّع بعدما رأى عمليات الترميم وبدأ تقديم طلبات اقتراض. يعتبر الحلاق أن ما تطلبه المصارف من ضمانات، وخاصة العقارية، مطلب حق «فلا يوجد قرض بلا ضمان»، مشيراً إلى أن الفوائد «ليست مرتفعة، سواء أكانت 8% أو 6% الممنوحة لبعض المناطق الصناعية كتلّ كردي وعدرا والقابون».
يذهب زميله في الغرفة ماهر الزيات إلى انتقاد قرارات منع السفر، فبرأيه يتطلب التفاهم والتواصل مع الصناعيين طريقة مختلفة وخاصة، لكونهم بحاجة استيراد مواد أولية لمعاملهم، ما يتوجب تقديم تسهيلات لهم وإصدار قرارات ذات مرونة عالية تساهم في التخلص من آثار الحرب والحصار.

استعداد للتمويل ولكن!
تحاول المصارف تحرير القروض لكن حزمة إجراءات المصرف المركزي تحول دون توظيف تلك الأموال بالشكل الأمثل. أبدى «المصرف التجاري السوري»، صاحب أكبر ملاءة مالية، استعداده لتمويل المشاريع الإنتاجية والمساهمة بالتمويل المباشر وتقديم كل التسهيلات غير المباشرة لإعادة النشاط الاقتصادي إلى طبيعته، إذ خصص 30 مليار ليرة لمنح قروض استثمارية، و25 مليار ليرة لمنح تسهيلات مباشرة، بشروط محددة. وعن سبب قلة المقترضين، أعلن «التجاري» جاهزية كاملة لتقديم القروض والتسهيلات بفوائد تفضيلية للصناعيين تبدأ بـ8% وتنتهي بـ12% وفق معايير غير ثابتة، تُدرس وفق كل حالة.
وكذلك يشير «المصرف الصناعي» إلى التزامه تقديم تسهيلات للتشجيع على الاقتراض، وتؤكد مديرة الاستثمار والتمويل في المصرف، عهد غزالة، على الجدية في دعم الصناعيين من ناحية الفوائد المخفضة لتصل إلى حدود 10%، مشيرة إلى أن السيولة المخصصة للإقراض بلغت 17 مليار ليرة، لا تمنح من دون الالتزام بشروط تضمن حق المصرف. ولا يمكن للمصرف تجاوز ضوابط المصرف المركزي، فالتسهيل الممنوح لا يجب أن يتجاوز نسبة 25% من رأسمال المصرف (لمقترض واحد)، فيما تقول المصارف العامة إنها ارتضت أرباحاً قليلة كون فوائدها أقل من المصارف الخاصة، التي تصل إلى نحو 17%.
يفضّل معظم الصناعيين استخدام تمويلهم الذاتي على دفع فوائد مرتفعة


ولا يبدو واقع «المصرف العقاري» مختلفاً، فرغم محاولاته المستمرة لرفع قيمة القرض السكني من 5 إلى 10 ملايين ليرة، إلا أن النتيجة تأتي بعدم الموافقة دوماً. وبقي عدد المقترضين قليلاً جراء انخفاض الرواتب وغلاء العقارات، والحال ذاته ينطبق على القروض الإنمائية، بحيث مُنح قرض واحد فقط لمعمل أدوية في اللاذقية. وهنا ينفي مدير التسليف في «العقاري» وليد يحيى، ضعف الإقبال على القروض وخاصة السكنية، إذ يوجد، برأيه، أكثر من 1000 طلب قيد الدراسة، ملقياً باللائمة على «الرواتب الضعيفة»، بدليل أن أصحاب المهن الحرة والنقابات يمكنهم الاستفادة من القرض بسبب مداخيلهم المقبولة.

إقبال ضعيف
يرى الباحث الاقتصادي الدكتور عابد فضيلة أنه من الضروري إطلاق القروض في هذه المرحلة، خاصة أن المصارف باتت «تمتلك كتلة نقدية كبيرة، تشكّل عبئاً عليها». ويرجع قلة الطلب على القروض إلى انتظار أصحاب المنشآت الصناعية انتهاء مرحلة ترميم البنية التحتية بمساعدة الحكومة. ويشير إلى ضرورة إعادة النظر بشروط الإقراض لتكون مرنة ومنسجمة مع الوضع الراهن، وتراعي حال الصناعيين، مضيفاً أن «المصارف لا تزال تعتقد أن قرضاً قيمته 150 مليون ليرة هو قرض كبير مع أن المنشآت الضخمة تحتاج إلى أرقام أكبر بكثير».
ويلفت إلى أن أغلب الصناعيين باشروا الإنتاج، لكن المشكلة تكمن في وجود انزياح في اليد العاملة بعد تشتتها بسبب الحرب، بالتزامن مع فقد المنشآت الصناعية لزبائنها. ويبدي في الوقت نفسه تفاؤله في حال اتبعت معايير مرنة لجهة حجم القروض أو مدة إعادتها. وعن تأثير مشكلة القروض المتعثرة على منح القروض حالياً، أكد أن الجهات الحكومية تدرس ملفات قروض الصناعيين المتعثرة على حدة، ويجب تسوية كل تلك الملفات سريعاً ليقوم كل صناعي بدفع ما يتوجب عليه لتسوية وضعه، لافتاً إلى أهمية تعديل التشريعات الحالية بغية إتاحة الحصول على تمويل جديد.
وأكد عدم وجود حجز تعسفي على ضمانات القروض المتعثرة، إلا في حال تخلف الصناعي عن دفع المستحق عليه، وهذا إجراء طبيعي على حد قوله، مشيراً إلى أنه تم تحصيل كتلة نقدية كبيرة من القروض المتعثرة أضيفت إلى الكتلة النقدية المخصصة للإقراض.
وبالتوازي، انتقد الباحث الاقتصادي، أنس فيومي، طريقة تعامل المصارف مع القروض، مؤكداً أن أغلب المصارف لجأت إلى طرق الإقراض ذاتها التي كانت متبعة قبل الحرب دون أي تطوير في آلية المنح أو إجراء دراسة تسويقية. ويضيف أنه كان يجب ابتكار طرق وآليات جديدة للإقراض مع وضع شروط وفق المعطيات على أرض الواقع، وأهمها دراسة معدلات الفائدة واستهداف القطاع المنتج المطلوب وتعديل الشروط بغية جعل الإقراض سياسة موجهة بيد الحكومة.