تشتد الاحتجاجات في السودان لليوم السادس على التوالي، في العاصمة الخرطوم ومدينة أم روّابة في ولاية شمال كردفان، وولاية الجزيرة (وسط)، من بين 12 ولاية أخرى، تشهد احتجاجات، تنديداً بالغلاء والفساد، في ظل أزمات الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، فيما تتركّز المطالب يوماً بعد يوم، على إسقط نظام الرئيس عمر البشير، الجالس على كرسي السلطة منذ عام 1989، ويسعى للترشح مجدداً بتعديل الدستور، لفتح الباب أمام حكم دائم.في الخرطوم، تجمّع آلاف المتظاهرين، أمس، بعد خروجهم من مباراة لكرة القدم، على طريق رئيسي يؤدي إلى قلب العاصمة. تجمّع المحتجون عقب المباراة في أم درمان، في الجهة المقابلة من وسط المدينة عبر نهر النيل، هاتفين: «الشعب يريد إسقاط النظام»، وسط انتشار كثيف لقوات الأمن، التي طوقت الشوارع الرئيسية حول الملعب بأكثر من 30 شاحنة، مواجهة المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع. سار المحتجون في شارع الأربعين في أم درمان حتى اقتربوا من النهر، لكن قوات الأمن منعتهم بالقوة من عبور الجسر المؤدي إلى قلب العاصمة وقصر الرئاسة. أما في ولاية الجزيرة، حيث يعتزم الرئيس البشير افتتاح مشاريع تنموية فيها اليوم، حسب ما ذكرت الوكالة الرسمية، اندلعت الاحتجاجات في مدينتي المناقل ورفاعة، قبل أن تفرّقها قوات الأمن. لكن التظاهرات تجددت عقب انضمام مواطنين إليها، واعتقل خلالها عدد من المشاركين. أما في مدينة أم روابة، في ولاية شمال كردفان، ففرّقت الشرطة المتظاهرين بالرصاص الحي وقنابل الغاز، وأصيب ثلاثة أشخاص بجروح.
في إطار موجة الاحتجاجات الأكبر على الإطلاق، خلال ثلاثة عقود من حكم البشير، قرّر «تجمّع المهنيين السودانيين»، تسيير تظاهرة إلى القصر الجمهوري اليوم، بعد منعهم الوصول إليه أمس، «لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتنحّي الرئيس فوراً عن السلطة، استجابة لرغبة الشعب السوداني وحقناً للدماء». يقترح التجمّع إذا ما وافق البشير على التنحّي، وفق البيان، أن «تشكّل حكومة انتقالية ذات كفاءات، وبمهمات محدّدة، ذات صبغة توافقية بين أطياف المجتمع السوداني». إذ يرى محللون أن الخيار الوحيد المتاح أمام البشير، هو الحلّ السياسي، بانفتاح الحكومة ومخاطبة مطالب الجماهير وفتح منبر الحوار مع كل المكوّنات السياسية، في ظل انسداد آفاق الحل الاقتصادي وفق نهج الحكومة الحالي، ودخول البلاد في إضراب عام مفتوح، ابتداءً من أمس، في دعوة أطلقها «تجمّع المهنيين» و«لجنة أطباء السودان المركزية» (مستقلة)، أول من أمس، لبّتها قطاعات مختلفة، إذ علّق أطباء في 28 مستشفى عملهم، في عدد من الولايات، حتى أمس، 9 منها في ولاية الخرطوم.
التظاهرات الاحتجاجية التي بدأت الأربعاء الماضي، من مدينة عطْبرة في ولاية نهر النيل، بطلاب المدرسة الصناعية الذين احتجوا داخل مدرستهم على انعدام الخبز لوجبة الإفطار، قبل أن يخرجوا إلى التظاهر خارج أسوارها، باتت بعد أيام على اندلاعها وتطورها، تحصل على دعم أكبر تحالفين للمعارضة في السودان، هما تحالف «نداء السودان» وتحالف «قوى الإجماع الوطني» (يضم أحزاب معارضة)، اللذان اجتمعا، أول من أمس، لمناقشة توحيد قوى المعارضة، ودعم التظاهرات. وكما استخدمت الشرطة القوة لتفريق المتظاهرين، اتجهت السلطات إلى الاعتقالات والتخوين أسلوباً لمواجهة قادة المعارضة، الذين يسعون إلى قيادة الاحتجاجات الشعبية. اعتقلت أمس، المسؤول في الحزب الشيوعي المعارض، مسعود محمد الحسن، بعدما اقتحمت «قوة أمنية كبيرة مقره» في الخرطوم، كما أشار بيان الحزب، وذلك بعد سلسلة اعتقالات نفذتها خلال الأيام الماضية، اعتقلت فيها 14 من قيادات تحالف «قوى الإجماع الوطني»، السبت الماضي، من بينهم رئيسه فاروق أبو عيسى، أثناء اجتماع للتحالف، في مدينة أم درمان، في الخرطوم، فيما ذكرت وسائل إعلام محلية أن عدد المعتقلين من قيادات التحالف بلغ 43 معتقلاً.
استخدمت السلطات القوة ضد المتظاهرين والاعتقالات والتخوين ضد قادة المعارضة

كذلك اعتقلت في اليوم نفسه الأمينة العامة لحزب «الأمة» المعارض، سارة نقد الله، والقيادي بالحزب، إبراهيم الأمين، بذريعة أن «الخلية» التي تضم كوادر حزبية معارضة، كانت «تخطط لتنفيذ عمليات تخريبية»، بحسب الوكالة السودانية الرسمية، وأنها تعمل بتنسيق تام مع الحركات المسلحة، و«اتُّخِذَت إجراءات قانونية» في مواجهتها. ومن بين الحركات المسلحة تلك، حركة «جيش تحرير السودان»، التي يتزعمها عبد الواحد محمد نور، والتي تقاتل الحكومة السودانية في إقليم دارفور (غرب)، إذ ذهب مدير المخابرات السوداني، صلاح قوش، إلى اتهام إسرائيل في دعمها، معلناً أمس، أن «الأجهزة الأمنية رصدت تحركات لمنتسبين إلى حركة عبد الواحد، قادمين من إسرائيل يخططون لتنفيذ أعمال تخريبية»، مضيفاً، بحسب وسائل إعلام محلية، أن «العائدين من إسرائيل يبلغ عددهم 280، وبعضهم جنّدته أجهزة المخابرات الإسرائيلية».
يتجه البشير إلى استخدام العنف المفرط والتخوين، على غرار احتجاجات أيلول/سبتمبر عام 2013، التي استطاع إخمادها بالقوة، مخلفاً 85 قتيلاً بحسب إحصاءات الحكومة، بينما تفيد منظمات دولية بسقوط نحو 200 قتيل في حينها. لكن هذه المرة، ليس معلوماً إذا ما كان باستطاعة الرئيس احتواء الأزمة، في ظل فشل حكومته في معالجة الأزمة الاقتصادية، وتبني قوى المعارضة الاحتجاجات.