صنعاء | قبيل أيام من انطلاق الجولة التفاوضية الجديدة في السويد، وفي ظلّ تنامي الدعوات الدولية إلى وقف الحرب في اليمن، يشهد البلد المنكوب منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة تطورات لافتة ومتسارعة على المستوى الاقتصادي، لا تبدو معزولة عن الجانب السياسي، وخصوصاً أن ثمة بصمات أميركية واضحة فيها. في غضون أيام قليلة، تمكّن الريال اليمني من تعويض خسائره، منخفضاً إلى ما دون 500 ريال للدولار الواحد، بعدما كان قد لامس حاجز 800 ريال. وبالتوازي مع ذلك، بدأت الحكومة الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، للمرة الأولى منذ أكثر من سنة ونصف سنة بصرف رواتب المتقاعدين غير العسكريين في جميع المحافظات الشمالية عبر أحد البنوك المحلية، في وقت وعدت فيه منظمة الـ«يونيسف» بصرف رواتب المعلمين وفق لوائح عام 2014.ومساء أول من أمس، أقيم في العاصمة اللبنانية بيروت، بناءً على قرار من الرباعية الدولية التي تضمّ كلاً من: واشنطن ولندن والرياض وأبو ظبي، مؤتمر لبحث آليات البدء في تنفيذ برنامج تمويل التجارة اليمنية بمبلغ قدره 500 مليون دولار سيوفّره عدد من الدول المانحة، عن طريق البنك المركزي الذي تديره حكومة هادي. وكانت «الرباعية» قد أقرّت، في اجتماع لها في الرياض في الـ 23 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما سمّتها خطة لتنمية اليمن وإعماره، تشمل العمل على تحقيق الاستقرار في سعر العملة اليمنية، وتحسين قدرات البنك المركزي، ومعالجة الوضع المعيشي المتردي.
وتزامناً مع ذلك الاجتماع، دشّن السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، من مدينة المكلا (جنوب) المنحة السعودية لدعم الكهرباء في محافظة حضرموت، بعد حوالى شهر على تدشينها في مدينة عدن. وقال آل جابر إن «مدينة المكلا ستكون مركزاً للمنحة، وسيستقبل ميناؤها الشحنات، وستُوزّع منها على باقي المحافظات». وكان السفير السعودي قد وصل، الخميس، إلى مطار الريان المُدار إماراتياً برفقة السفير الأميركي لدى اليمن، ماثيو تولر، الذي التقى القيادات العسكرية الموالية لأبو ظبي، وأشاد بدورها في «مكافحة الإرهاب»، فيما كان آل جابر يرعى عملية تسليم مهمات خفر السواحل للقوات المحلية. وسبق تحركَ تولر إعلان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن بلاده ستنفق 131 مليون دولار إضافية على المساعدات الإنسانية لليمن.
تزامن قرار تحديد سعر الدولار مع تدشين المنحة النفطية السعودية


وتأتي تلك المواقف والتحركات بعدما بلغت الأزمة الإنسانية خلال الأشهر القليلة الماضية ذروتها، مُهدّدة بدفع 14 مليون يمني إلى حافة المجاعة. وهو ما أثار ردود فعل منددة من قِبَل المنظمات الدولية، التي تسارعت مطالباتها في الآونة الأخيرة بـ«ضخّ المزيد من الموارد في الاقتصاد، ودفع الرواتب» وفق ما كرّر الخميس منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، الذي حطّ أمس في مدينة عدن. وترافقت المطالبات هذه مع تشكلّ مناخ دولي داعٍ إلى وقف الحرب والبدء في الترتيب للتسوية السياسية، في ظلّ انتقادات حادة ومتصاعدة في الداخل الأميركي لاستمرار إدارة دونالد ترامب في التغطية على عمليات «التحالف» والمشاركة فيها. بناءً على ما تقدم، يمكن فهم إجراءات «الرباعية» على أنها تكتيكات مقصودة تستهدف التخفّف من الضغوط المتزايدة على الإدارة الأميركية على خلفية الأزمة الإنسانية من جهة، ومن جهة ثانية تحسين صورة «التحالف» والقوى المحلية الموالية له بما يمكن أن يشكّل عنصر قوة على طاولة المفاوضات التي يُفترض أن تنعقد أواسط الأسبوع المقبل في السويد.
هذه المناورة السياسية تؤكدها مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الأخبار»، موضحة أن «ما حدث لم يكن نتيجة إجراءات اقتصادية حقيقية، بل هو تخفيض متعمّد لأهداف سياسية وليست إنسانية». توضح المصادر أن تحسّن سعر صرف الريال لم يأت جراء «إعادة إنتاج النفط والغاز، أو تحسّن إيرادات البلاد من العملة الصعبة، أو رفع الحصار وإنهاء الانقسام المالي»، إنما نجم عن سماح السعودية لـ«مركزي عدن» بالاستفادة من الوديعة المُجمّدة منذ أشهر بهدف فتح اعتمادات مستندية للتجار، بعدما «كانت طلبات البنك تظلّ أسابيع من دون موافقة الجانب السعودي». وتنبّه المصادر إلى خطورة الإجراءات الحالية التي تتخذها حكومة هادي؛ كونها «تستهدف سحب العملة المحلية المتداولة، واستبدال العملة المطبوعة بها لفرض شرعية مالية في الشمال»، فضلاً عن «سحب العملة الصعبة المدّخرة من قِبَل المواطنين والمستثمرين بسعر أقلّ لإحداث أزمة مدفوعات، ودفع المضاربين إلى شراء الدولار بسعر أقلّ، لكي يتمّ بيعه لاحقاً بسعر أعلى». وعلى رغم قيام حكومة الإنقاذ باتخاذ إجراءات مضادة من قبيل تخفيض الأسعار، إلا أن استمرار ارتفاع سعر الدولار بقي يهدّد الاتجاه العام للأسعار بالعودة إلى الارتفاع.
وما يؤكد أن التطورات الأخيرة مريبة في الحد الأدنى، هو انطلاق حملة واسعة النطاق في أعقابها، تستهدف تلميع صفحة «التحالف» وحكومة معين عبد الملك، بغرض إيصال رسالة للمجتمع الدولي بأن «الأوضاع الإنسانية تحسّنت، والبنك المركزي استعاد وظائفه». وفي هذا الإطار، تعرب المصادر عن خشيتها من أن تكون هناك «نيات لتلغيم المفاوضات المقبلة» والتي يُعدّ الملف الاقتصادي عنواناً رئيسياً على أجندتها، وخصوصاً أن مطلب سلطات صنعاء يتلخّص في ضرورة تحييد الاقتصاد، وإعادة البنك المركزي إلى العاصمة. لكن إقدام «مركزي عدن» على تحديد سعر الدولار (450 ريالاً)، بعد اتخاذه في تموز/ يوليو 2017 قراراً بالتعويم الكامل فتح الباب واسعاً على المضاربات، من شأنه أن يبقي العملة المحلية أداة للحرب الاقتصادية ضد سلطات صنعاء، وهو ما يتناقض مع مبدأ تحييد الاقتصاد، الكفيل وحده بتحقيق الاستقرار. وإذا كانت ثمة إيجابية وحيدة للقرار الأخير، الذي يجافي بالمطلق فكرة تثبيت سعر الصرف والدفاع عنه بضخّ العملات الصعبة في السوق، فهي تأكيده المؤكد من أن «التحالف» يستخدم سعر الصرف كأداة حرب، تارة برفع قيمة الدولار وطوراً بتخفيضها.