القاهرة | للمرة الثانية على التوالي، يراجع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مشروع موازنة العام المالي المقبل، الذي يبدأ في الشهر السابع من كل عام. مراجعة مستفيضة مع الجهات المعنية جرت في اجتماعات مكثفة شهدها قصر الاتحادية خلال الأسبوع الجاري، وتضمنت تمسكاً من «الجنرال» بجميع الإجراءات المقررة دون تغيير، مع مناقشة آلية تحديد سعر المحروقات الحرة التي سيعمل بها مع التحريك الأخير للأسعار مطلع تموز/ يوليو المقبل، فضلاً عن التزام الدولة رفع أسعار الكهرباء وإلغاء الدعم دون إجراءات حمائية للفئات الأقل دخلاً.المناقشات دارت حول الفئات والأسر التي ستتضرر من القرارات الجديدة، وخاصة أن برامج الحماية الاجتماعية لن تشهد في زيادتها النسب نفسها التي ستحرر بها الأسعار، وهو ما أكّده مرات عدة وزير المال، محمد معيط، الذي قدم أرقاماً وبيانات توضح حالة الانكماش في دخل الأسر المتوسطة، فضلاً عن دراسات أجرتها جهات حكومية وأخرى خاصة عن تغير أنماط المستخدمين، وهي الأرقام التي وجد فيها السيسي تصحيحاً لمسارات غير صحيحة خلال السنوات الماضية. وحضر الاجتماعات رئيس الوزراء والوزراء المعنيون، كل وفق ملفه، وأجمعوا تقريباً على تخصيص ما يفوق ثلث الموازنة لسداد الأجور، بينما سينخفض بند الأجور الحكومية فعلياً ليس بسبب الإلغاء المتوقع للعلاوة الدورية الذي أعلنه الرئيس، بل بسبب الأعداد التي ستتقاعد من الموظفين التابعين لجهات حكومية عدة، مع قرار وقف التعيينات الجديدة، وهو ما شدد عليه السيسي، مشيراً إلى الاكتفاء بتعاقدات مؤقتة في الوزارات والجهات التي تحتاج إلى موظفين جدد.
مطالب كثيرة ناقشها السيسي مع الوزراء على مدار أكثر من 17 ساعة متفرقة، من بينها دراسة الاستفادة من الأسعار الحالية للبترول عالمياً واتخاذ إجراءات التحوط في محاولة لتثبيت سعر المحروقات على الموازنة، فضلاً عن مجموعة من الاتفاقات الجديدة مع دول عربية، وخاصة السعودية والإمارات لتحريك مشروعات معطلة جرى الاتفاق عليها سابقاً، وستساهم في توفير فرص عمل، ولا سيما في منطقة قناة السويس.
السيسي: تنازلات الحكومة للمواطنين سبب أزمة موازنة الدولة الآن


وبالعودة إلى مشروع الموازنة، تبدو التعديلات المنوي إدخالها على برامج الحماية الاجتماعية في ظاهرها محاولة لاستيعاب أعداد أكبر من المواطنين المحتاجين إلى الدعم، لكنها في باطنها تقلّص النفقات الموجهة إلى هذه الفئات، وخاصة أن تلك البرامج ستنتهي بالكامل خلال سنوات قليلة مع انتهاء الهدف منها. وكذلك، صارت آليات إدخال أسر جديدة أكثر تقييداً، ليس بالأوراق المطلوبة للاستفادة منها، بل بالشروط التي تحدثها الوزارات بين حين وآخر، علماً بأن الدولة تدعم توجه الأسر الأكثر احتياجاً إلى تنفيذ مشروعات صغيرة بقروض ميسرة وفوائد قليلة، والأسر في هذه الحالة تخرج وفق ضوابط سهلة من البرامج الاجتماعية ولا يمكن أن تعود إليها مرة أخرى حتى لو تعثرت مشروعاتها، إلا بشروط أصعب من قبل.
تقول مصادر مطلعة إن السيسي ركز في الاجتماعات على أمور؛ منها: الرغبة سريعاً في الانتهاء من تقليص الأعداد التي تحصل على دعم للسلع التموينية، والانتهاء من مراجعة البطاقات التموينية قريباً لتنقية المتوفين والموجودين خارج البلاد منذ سنوات، فضلاً عن دراسة تأثير رفض إضافة المولود الثالث للأسرة على البطاقات المنوي تطبيقه مطلع العام المقبل، في محاولة للحد من الزيادة السكانية التي تعمل الحكومة على برامج لمواجهتها، وصولاً إلى إقناع الأسر بالاكتفاء بإنجاب طفلين على الأكثر. لكن هذا القرار يمكن أن يواجه مشكلة في التطبيق داخل مدن الصعيد التي لا تلتزم عادة عائلاتها هذه البرامج.
مع ذلك، شدد الرئيس على «تكثيف حملات التوعية وفرض سياسة الأمر الواقع ورفض أي استثناءات»، واصفاً «التنازلات التي قدمتها الحكومة» بأنها السبب في ما وصلت إليه موازنة الدولة من أعباء مالية الآن، كما تطرق إلى التزام الجدول الذي وضع في هذا السياق ويقضي بأنه في 2022 يجب تقليص أعداد المستفيدين من الدعم التمويني، علماً بأنه خفّض الدعم عن الأسر التي فيها أكثر من 4 أفراد قبل عامين. في هذا السياق، عرض وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، على السيسي أرقاماً عدة تقضي بأن الوضع الحالي لا يسمح سوى بتقنين الأعداد الموجودة ومحاولة القضاء على الفساد الموجود في الوزارة، الذي يتسبب في إهدار المليارات سنوياً. كما عرض عليه مقترحاً بزيادة الدعم السلعي جراء عدم زيادته خلال العام الجاري، وهو ما وعد الرئيس بدراسته في وقت لاحق مع وزير المال لبيان أثره في الموازنة، وخاصة مع السعي الرسمي إلى أن تكون زيادة الفرد من الأموال نفسها التي سوف تقتطع من المستبعدين من برامج الدولة.