تونس | يُفشل الغضب المتصاعد في تونس، زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المفترضة اليوم، في إطار جولة خارجية أراد من خلالها إعادة بعض ماء الوجه، بعد جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، قبل أن يتوجه إلى الأرجنتين، لحضور قمة مجموعة العشرين، نهاية الشهر الحالي. التظاهرات المنددة باستقباله، بدأت في العاصمة التونسية، مساء أمس، قبل ساعات من الزيارة، في ظل مواقف شديدة أطلقتها أحزاب وجمعيات ومنظمات وقيادات ونشطاء من اليسار الماركسي والقومي، خلال الأيام الماضية، وانضم إليها أخيراً، القيادي في حركة «النهضة»، محمد بن سالم، الذي شدد على أن موقفه «شخصيٌّ» لا يُلزم غيره، محاولاً تجنيب حركته موقفه، على غرار تراجع رئيسها، راشد الغنوشي، الشهر الماضي، عن تعليقه على جريمة اغتيال خاشقجي، حين شبّه تداعياتها بمناخات حادثة إضرام محمد البوعزيزي النار بنفسه، أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، في كانون الأول/ديسمبر عام 2010، التي كانت أبرز مسببات اندلاع الثورة على نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.«لا لتدنيس أرض تونس الثورة»، و«لا أهلاً ولا سهلاً بابن سلمان...»، و«لا أهلاً ولا سهلاً بجلاد النساء»، و«ابن سلمان يا سفاح يا قتال الأرواح» و«الحرية للنساء في السعودية»... بهذه الشعارات، قرر التونسيون استقبال ولي العهد في العاصمة، من خلال صور رفعتها جمعيات ومنظمات على طول مبانيها، وأخرى رفعها مئات من المحتجين عشية الزيارة، في شارع الحبيب بورقيبة، مساء أمس، رفضاً لاستقباله، فيما أدت فرقة من الفنانين المسرحيين مقاطع تمثيلية جسّدت تعذيب النشطاء في السعودية، وأخرى سخرت من ولي العهد «المتهور». مشهدٌ، سرعان ما انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تركز الزخم حول التنديد بالزيارة، والتهكم على محاولات وليّ العهد لحشد دعم عربي تحت وسوم عدة، كـ«زيارة المنشار عار» و«تونس حرة حرة» و«بن سلمان على بره».
تمكّن المعترضون من تحويل الزيارة إلى مناسبة تزيد من تعرية النظام السعودي


بعض المنظمات، اختارت لدفع احتجاجها على الزيارة خطوة أخرى، إذ علقت «النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين»، على واجهة مقرها المركزي في العاصمة، صورة عملاقة، تحمل رسماً لابن سلمان، وهو يمسك بمنشار عملاق، كذلك عُلقت صورة أخرى للضيف غير المرحب به، على واجهة «الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات»، تُظهر ابن سلمان حاملاً سوطاً، مع كلمات تصفه بـ«جلاد النساء». وأسهمت المنظمتان، إلى جانب «الاتحاد العام التونسي للشغل»، و«الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان»، و«المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، و«الهيئة الوطنية للمحامين في تونس»، في تنظيم «ندوة وطنية للتضامن مع الشعب اليمني»، أمس، شملت تقديم تقرير «لجنة الخبراء في الأمم المتحدة، حول انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن»، ونقاشه بحضور رئيس اللجنة، كمال الجندوبي، الذي تحدث باستفاضة عن الحصار المفروض على اليمن وشعبه، وما يحصل في السجون السرية لـ«التحالف» الذي تقوده الرياض، من قتل واغتصاب وانتهاكات أخرى.
الشعارات المنددة طاولت أيضاً رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، من قبيل «يا باجي يا سمسار لا نحتاج للبترودولار»، في ظل الموقف المرحّب بالزيارة من مستوى قمة الهرم السياسي. إذ أعلن الأمين العام الجديد لحركة نداء تونس، سليم الرياحي، الذي كان متتبعاً حتى فترة قريبة، بقضايا فساد وتبييض أموال (لم يتخلص منها إلا بعقد صفقة مع أوساط متنفذة احتوته تحت جناحها كما صرح هو بنفسه أكثر من مرة)، بأن ابن سلمان «مرحب به في تونس»، وأنه «لا يصدّق» تورطه في عملية اغتيال خاشقجي. كذلك دافع عدد من نواب حركة «نداء تونس» عن الزيارة، بناءً على مبدأ «عدم التدخل في سياسة الدول الأخرى»، وهو أمر لم يتوانَ عنه أيضاً مستشارون لرئيس الجمهورية، من بينهم الناطقة باسم الرئاسة، سعيدة قراش، التي كانت حتى وقت قريب، إحدى أبرز الناشطات النسويات في البلاد!
ما لم يقل على لسان الرسميين، ذُكر في صحف محلية تابعة لهم، على أمل ثني المحتجين عن التظاهر ضد ابن سلمان اليوم، بحقن اقتصادية، في ظل الوضع المعيشي المتردي. إذ سُرّبت معلومات إلى إحدى الصحف «الفضائحية»، تقول إن ولي العهد سيعلن خلال زيارته اتخاذ إجراءات لدعم الاقتصاد التونسي، على أن يضع وديعة بقيمة ملياري دولار في البنك المركزي، فيما تعاني البلاد منذ عامين، من شح في العملة الصعبة. كذلك ذكرت أن الرياض ستبيع تونس نفطاً بقيمة 400 مليون دولار، بأسعار تفاضلية، وستقدم هبات جديدة للجيش تتمثل بطائرات عمودية وأخرى مقاتلة.
مقابل إصرار السلطة على استقبال ابن سلمان، تمكنت الأحزاب والمنظمات والجمعيات، من تحويل الزيارة إلى مناسبة تزيد من تعرية النظام السعودي الذي طاول ثورة الشعب التونسي نفسه، باستقبال بن علي وحمايته، وهو المدان من المحاكم التونسية. إذ من المتوقع أن تملأ الشوارعَ وقفات ومسيرات احتجاجية، رفضاً لاستقباله، ما قد يُدخل العلاقة التونسية - السعودية، مرحلة جديدة، قد لا تتمكن الحكومة من ترميمها لاحقاً.