قبل أيّام، ربط وزير الماليّة السوري بين أي زيادة محتملة للرواتب ووفورات موازنة عام 2019. جاء ذلك بعد أن خلا مشروع الموازنة من اعتمادات مخصّصة لزيادة حقيقيّة على الرواتب، «في حال زيادة الرواتب في العام القادم فإنها تغطى من وفورات الموازنة»، قال الوزير أمام مجلس الشعب، مبرّراً عدم تخصيص اعتمادات للزيادة. في الحقيقة، إنّ حدوث زيادة على الرواتب يبدو أمراً ممكناً ببساطة إذا ما خفّف 32 شخصاً (أعضاء الحكومة) نفقاتهم ونفقات فرقهم قليلا.. قليلاً فقط. المضحك المبكي أن الموازنة التي اهتمّت بذكر أدق تفاصيل «الضيافة» و«الملبَس» والقرطاسيّة، تركت زيادات الرواتب لوفورات قدريّة. لا بأس هنا من الوقوف مجدّداً مع بند «النفقات الإداريّة» بملياراته التي فاقت الخمسين، لكن بتفصيل مُسهب ليعرف السوريون شيئاً عن سياسات حكومتهم الماليّة. كانت مخصّصات القرطاسيّة في الموازنة الماضية 7 مليارات ليرة، وارتفعت في الموازنة الجديدة إلى 9 مليارات (بزيادة حوالى 2 مليار ليرة، أي 4.7 ملايين دولار!). حبّذا لو تشرح لنا الحكومة رأيها بـ«الأتمتة»، حبّذا أيضاً لو يخبرنا أحدٌ لماذا خلت الموازنة من أي إشارة إلى «البحث العلمي» مثلا! ثمة تفصيل ثانٍ يبدو أشدّ إثارة للدهشة، وهو مخصّصات «الكسوة والملابس» التي كان نصيبها في العام الماضي 5 مليارات ليرة، وارتفعت إلى 6.6 مليارات ليرة (أكثر من 14 مليون دولار!) كسوة وملابس لمن؟ هل ستفاجئنا الحكومة بتوزيع ملابس على الشعب؟ النفقات الإدارية المتنوعة ولوازم الإدارة الثابتة والنفقات الإدارية الخاصة وبند ضيافة ودعاية ومؤتمرات، كان جميعها مخصصاً بمبلغ 40 مليار ليرة في الموازنة الماضية، وارتفع الرقم إلى 53.6 مليار ليرة حالياً، ما يعني أنّ مخصصات نفقات المكاتب الحكوميّة قد ارتفعت 13 مليار ليرة سورية، (للتذكير، المليار هو ألف مليون ليرة سورية).
يمكن الحكومة أن توفر جهودها الضائعة في ضبط الأسعار لأن الجهد معدوم

وإذا ما تجاوزنا «النفقات الإداريّة» إلى بنود أخرى في الموازنة، فسنرى أنّ المساهمة المخصصة لمديريات الأوقاف كانت في الموازنة الماضية ملياري ليرة، وبقيت ثابتة عند الرقم نفسه في الموازنة الحالية (في المقابل خُصّص للمساهمة في النشاط الثقافي 0.83 مليار فقط). لكن مهلاً، ما الحاجة إلى هذه المساهمة بعد صدور القانون 31 الذي أمّن استقلالية ماليّة تامّة للأوقاف، وأعفاها مع موظّفيها من الضرائب والاقتطاعات؟
أما بند «إعادة الإعمار» فقد خُصص في الموازنة الحالية برقم مماثل للموازنة الماضية وهو 50 مليار ليرة. يا سلام! مخصصات «إعادة الإعمار» أقل من مخصصات «النفقات الإداريّة» بثلاثة مليارات ليرة سوريّة!
نقف قليلاً عند بند «مساهمة الدولة في تثبيت الأسعار» وقد انزلق منه تفصيل «الأدوية السرطانية» ليوضع في بند «النفقات الإدارية» (لتبرير تعاظمها على ما يبدو). بلغت مخصّصات بند «التثبيت» 811 مليار ليرة، وهو مبلغ يكفي لزيادة الرواتب والمعاشات بنسبة 190%. ويمكن الحكومة أن توفر جهودها الضائعة في ضبط الأسعار، لأن الجهد معدوم والنتيجة تقارب الصفر! لو فكّرت الحكومة في زيادة الرواتب وتخفيض ضرائب الموظفين والعسكريين (لأنهم فعليّاً السواد الأعظم من الطبقة المعدمة)، فلا شك في أن الناس قادرون على أن يتعايشوا مع ارتفاع الأسعار (وهو حاصل حاصل). ولا حاجة حينها إلى ألغاز وأحجيات تزعم أنّ «إخفاء زيادة الرواتب ببند فرص العمل هو قرار سياسي»، أي كمن يقول «لا توجيهات سياسية بزيادة رواتبكم». لحظة، كدنا ننسى أنّ الموازنة الجديدة قد ألغت مخصّصات «تمويل مشاريع مولدة لعمل ذوي الشهداء» وحوّلتها إلى صفر، بعد أن كانت 4500 مليون ليرة في الموازنة الماضية. شكراً حكومة!