رغم انخفاض منسوب التصعيد ــــ مرحلياً ــــ على طول الحدود السورية ـــ التركية شرق نهر الفرات، يشير النشاط الأميركي والتركي على الأرض وعبر القنوات الديبلوماسية، إلى أن الحفاظ على التهدئة وإنجاح المفاوضات دونه عقبات كثيرة. التحشيد الإعلامي والشعبي التركي ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية والدعم الأميركي المقدم لها، يفتح الطريق أمام تحديد سقف مرتفع على طاولة التفاوض، يراد له أن يضمن لأنقرة مكاسب مشابهة لما حققته غرب الفرات. فلم تتأخر تركيا في استنكار الدوريات الأميركية التي تجول قبالة حدودها برفقة «قوات سوريا الديموقراطية». وجاء هذا الهجوم من أعلى المستويات، إذ اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن «من المستحيل القبول بتلك الدوريات، فلذلك تداعيات سلبية خطيرة على حدودنا». وبينما أشار إلى أنه سيبحث هذا الملف مع نظيره الأميركي دونالد ترامب على هامش اجتماع دولي سيُعقد في العاصمة الفرنسية باريس في 10 و11 تشرين الثاني الجاري، أعرب عن اعتقاده بأن «ترامب سيوقف هذه العملية» عقب نقاشها. وعن احتمالات شنّ عملية عسكرية في مناطق شرق الفرات، استخدم الرئيس التركي الجملة نفسها التي قالها قبلاً في معرض رده على سؤال قبل بدء عملية «غضن الزيتون» في عفرين: «يمكننا القدوم في ليلة على حين غرّة».
سيحضر ملف شرق الفرات في لقاء أردوغان وترامب المرتقب في باريس

وفي مقابل الحديث التركي العالي اللهجة، أعلنت واشنطن رصدها مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن هوية أو مكان وجود ثلاثة قياديين في «حزب العمال الكردستاني»، هم مراد قرايلان وجميل بايق ودوران قالقان. ولفت بيان نشرته السفارة الأميركية في أنقرة إلى «أهمية التعاون الذي تبذله تركيا، حليفة واشنطن في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في مجال مكافحة الإرهاب». الخطوة الأميركية التي بدت كثمرة أولى للمجموعة المشتركة التي اتُّفق على تشكيلها بين واشنطن وأنقرة لمكافحة «العمال الكردستاني»، لا يمكن عزلها عن إطار التفاوض الخاص في شمال شرقي سوريا. وبدا ذلك واضحاً في التعليق الرسمي التركي عليها، إذ اعتبرت الرئاسة أن الخطوة «جاءت متأخرة». وقال الناطق باسم الرئاسة إبراهيم قالن، إن بلاده «تنظر إليها بإيجابية وحذر، ولكن إذا كانت من أجل التغطية على (الوحدات الكردية) الإرهابية، فسيتضح ذلك بعد أيام قليلة»، مؤكداً أن مقاربة بلاده لمنطقة شرق الفرات «لن تتغير».
وفي انتظار النقاش المرتقب بين أردوغان وترامب في هذا الشأن، لا يبدو أن الجانب التركي قد يضيّع أي وقت. فبالتوازي مع نشر وسائل الإعلام التركية تسجيلات وصوراً تظهر المواقع العسكرية التابعة لـ«الوحدات» الكردية قرب الحدود، بدأت أنقرة في حشد الفصائل العاملة تحت إمرتها وعدد من المدنيين العرب الموالين لها، لإطلاق تظاهرات في عدد من النقاط الحدودية، تطالب بعملية عسكرية للجيش التركي و«الجيش الوطني» الذي ترعاه أنقرة، لطرد «الميليشيات الكردية». ويفترض أن يكون أبرز المواقع لخروج تلك التحركات في بلدة أقجه قلعة، الملاصقة لبلدة تل أبيض السورية، على الجانب التركي من الحدود.