قبل أربعة أعوام من اليوم، وبعد أشهر من تقهقر قوات «بركان الفرات» (غرفة عمليات مشتركة بين وحدات حماية الشعب الكردية وبعض فصائل الجيش الحر) في ريف الرقة الشمالي تحت ضغط «داعش»، فتحت تركيا بواباتها الحدودية قبالة عين العرب (كوباني) أمام قوات من «البيشمركة» العراقية الكردية، برفقة عشرات من عناصر فصائل «الجيش الحر» الموالية لأنقرة. يومها، جاء «الإنقاذ» المتأخرّ بعد مفاوضات طويلة خاضها الجانب التركي مع الولايات المتحدة الأميركية، لتمرير مشروع «منطقة آمنة» في الشمال السوري، تكون منطلقاً لتوسيع دعم المعارضة ضد دمشق. وعلى خلاف ما أملت أنقرة، كانت خطوتها تلك نقطة تحوّل في المشهد شرق نهر الفرات، إذ شكّلت منطلقاً لتوسّع سيطرة القوى الكردية وتحوّلها لاحقاً، تحت مسمى «قوات سوريا الديموقراطية»، إلى ذراع «التحالف الدولي» البرية. اليوم، عادت المفاوضات التركية مجدداً مع الجانب الأميركي، بعد جولة سابقة خيضت مع حلفاء دمشق في محيط عفرين والباب. وبعد تعاون ــــ تعثّر مراراً ــــ في منبج قبل إنتاج «خريطة طريق» أميركية ــــ تركية مشتركة، بات الباب مفتوحاً إلى خوض النقاش الأهم، وهو مستقبل المنطقة الحدودية الملاصقة لتركيا، ومصير مقاتلي «الوحدات» الكردية فيها.النموذج التركي لتحفيز خط التفاوض لم يكن مختلفاً عن المرات السابقة، إذ بدأ بالتهديد الإعلامي المطوّل وصولاً إلى الاستهداف العسكري لنقاط تُتهم بتبعيتها لـ«الوحدات». ولم تدم المرحلة الأخيرة طويلاً قبل دخول الجانب الأميركي على خط أنقرة، ليبدأ بدوره عبر وزارة الخارجية بإبداء القلق من القصف في الشمال السوري «من أي طرف»، قبل أن يؤكد «التحالف» بدء اتصالات مع كل من تركيا و«قسد» لمنع التصعيد بين الطرفين و«توحيد التركيز على هزيمة داعش». وعلى عكس بيان «التحالف» الذي خاطب «الشريكين» بهدف التهدئة، كان لافتاً أن البيان الصادر عن نائب الناطقة باسم الخارجية الأميركية روبرت بالادينو، برر قلق بلاده باحتمال وجود جنود أميركيين في تلك المناطق وقت القصف، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، وشريك مهم في التحالف الدولي لمحاربة داعش، ونحن ملتزمون بأمن حدود حليفتنا». وقال بالادينو إن «التنسيق والتشاور بين الولايات المتحدة وتركيا في شأن القضايا التي تثير قلقاً أمنياً يبقى نهجاً أفضل». وتوّج هذا التوجه لحلّ الأزمة، باتصال هاتفي، أمس، بين الرئيسين، الأميركي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان، ركّز على الشأن السوري، وفق ما قالت الرئاسة التركية.
هذا النشاط الأميركي ــــ التركي، يتوقع أن يفضي إلى محادثات طويلة على غرار ما جرى في شأن مدينة منبج. ومن المحتمل أن يعزز سريان المرحلة الثانية من «خريطة الطريق» الخاصة بتلك المدينة فرص انطلاق المشاورات سريعاً وعدم توسّع التصعيد على الأرض. إذ أعلن أمس انطلاق الدورية المشتركة الأولى بين القوات التركية وقوات «التحالف» شمال منبج. وقال نائب قائد قوات «التحالف» كريستوفر غيك، في بيان: «نحن ندعم خريطة الطريق والدوريات المشتركة بالكامل، وأنا واثق بأنها ستكون فعالة جداً». واعتبر أن «الحفاظ على أمن منبج واستقرارها ضروري للحفاظ على زخم العمليات المستمرة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في شرق سوريا».