مع دخول «اتفاق سوتشي» في مرحلة تنفيذ غير محدودة المهل، وهدوء خطوط التماس برغم الخروقات على جبهة غرب حلب، ينصبّ تركيز التصريحات الروسية والسورية على مناطق النفوذ الأميركي في الشرق، في توجّه قد تتبلور انعكاساته في لقاء الرئيسين الأميركي والروسي المفترض منتصف الشهر المقبل في باريس. وإلى حين موعد هذا اللقاء، سوف تحظى محاولة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الأخيرة لتشكيل «اللجنة الدستورية» بحيّز واسع من الاهتمام، برغم فرص النجاح الضئيلة في حلّ عُقد هذا الملف. ومن المرتقب أن يقدم دي ميستورا اليوم، إحاطة أمام مجلس الأمن، حول محصّلة زيارته لدمشق وباقي مشاوراته في إطار تشكيل تلك اللجنة؛ وينقل إلى أعضاء المجلس، الموقف الحكومي الرسمي في هذا الشأن. وبالتوازي، سيحضر ملفا «اللجنة الدستورية» ومستقبل إدلب، في محادثات يجريها وفد من «هيئة التفاوض» المعارضة، مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في موسكو. وقبيل إعلان المبعوث الأممي عن موعد مشاوراته المرتقبة مع ممثلي الدول «الضامنة» في صيغة «أستانا» ومسؤولين من دول «المجموعة المصغّرة» في جنيف، أكدت موسكو أن الشخصية التي سيكلّفها الأمين العام للأمم المتحدة بمهمات دي ميستورا، بعد رحيله، يجب أن تحظى بقبول دمشق. واعتبر بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية أن هذا الشرط يتساوق مع «المبادئ الأساسية للوساطة في الأمم المتحدة».
يتحدث دي ميستورا في مجلس الأمن اليوم عن «اللجنة الدستورية»

وفي انتظار ما ستفضي إليه جهود دي ميستورا، تركز دمشق وحلفاؤها على التصويب شرقاً نحو الوجود الأميركي غير الشرعي على الأراضي السورية. وكان آخر ما صدر عن الجانب الحكومي في هذا الشأن، على لسان وزير الدفاع العماد علي أيوب، الذي شدد على أن «الدولة السورية ستتعامل مع بقية المناطق التي لا تزال تراهن عليها واشنطن، بإحدى طريقتين. إما المصالحات المحلية والعودة إلى سيادة الدولة أو سيتكفل الجيش العربي السوري بتحريرها كما كان عهده في بقية المناطق». وقال خلال كلمة أمام أعضاء مجلس الشعب، إن الوجود الأميركي والبريطاني على أراض سورية، هو «غير شرعي أو قانوني... وهو انتهاك لسيادة بلد مستقل». وفي الوقت نفسه، لفت أيوب إلى أن «محافظة إدلب مثلها مثل أي منطقة سورية وستعود إلى كنف الدولة... سواء رضي من لا يريدون الخير لسوريا أو رفضوا»، على حد ما نقلت عنه وكالة «سانا» الرسمية.
وتزامناً مع الحديث السوري، جددت موسكو تأكيدها أن وجود القوات الأميركية وطريقة نشاطها هو «احتلال غير شرعي» لأراضٍ سورية. وكان لافتاً أمس أن وزارة الدفاع الروسية اتهمت بشكل واضح الجانب الأميركي بإدارة إحدى أهم الهجمات التي تعرضت لها قاعدة حميميم الجوية مطلع العام الحالي، بطائرات مسيرّة من دون طيار. إذ قال نائب وزير الدفاع الروسي ألكسندر فومين، في منتدى أمني تستضيفه بكين، إن «ثلاث عشرة طائرة من دون طيار تحرّكت وفقاً لتشكيلات قتالية، يديرها طاقم واحد. وخلال الفترة نفسها، قامت طائرة استطلاع أميركية (بوسيدون - 8) بدوريات في منطقة البحر المتوسط ​​لمدة ثماني ساعات». ولفت إلى أن تلك الطائرات المسيّرة تم تحويلها إلى وضع «التوجيه اليدوي» حين اعترضتها التدابير الروسية المضادة الإلكترونية؛ وهو ما تولته الطائرة الأميركية. هذا التصريح الروسي المباشر وغير المسبوق في اتهام واشنطن بالوقوف وراء الهجمات على حميميم، حضر في سؤال صحافي وُجّه إلى المتحدث الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف، الذي رأى أنه «مثير للقلق الشديد». ولم يستبعد بيسكوف أن يناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب هذه القضية. ومن جهة أخرى، رأى رئيس تحرير «مجلة الدفاع الوطني» الروسية، إيغور كوروتشينكو، أن الهجوم الذي أدارته القوات الأميركية كان يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة، هي: «الكشف عن نظام الدفاع الجوي الروسي، والقيام باستطلاع لاسلكي ــــ إلكتروني، وإلحاق خسائر في صفوف قواتنا العاملة في سوريا». وأضاف في حديث إلى وكالة «تاس» الروسية، إن الولايات المتحدة كانت ستكسب نقاطاً سياسية لو كانت العملية ناجحة.