تحولت الأزمة السياسية التي تعيشها السعودية جراء قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي من التأثير السلبي على الاقتصاد السعودي، إلى بوادر أزمة اقتصادية، تواجه الرياض صعوبات في كبح جماحها، بعد أن اجتازت حواجز أرقام قياسية. وبعد أكبر موجة بيع في الأسهم السعودية منذ فتح السوق للشراء الأجنبي المباشر (منتصف 2015) أقدم عليها المستثمرون الأجانب، الأسبوع الماضي، وبلغت 1,07 مليار دولار، لا يبدو أن التدخّل الذي قامت به الحكومة عبر الصناديق المدعومة من الدولة ينجح في احتواء التراجع. إذ شهدت الأسواق، أمس، تراجعاً حاداً أعقب معاملات متقلبة، فنزل المؤشر العام 1,3 في المئة إلى 7550 نقطة.حصل ذلك على رغم الدعم الذي تقدمه الصناديق المرتبطة للحكومة منذ 14 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، ودعم صندوق الاستثمارات العامة الأسهم عن طريق مؤسسات سعودية لوقف انحدار السوق. وفي التاريخ المذكور بلغ هبوط المؤشر سبعة في المئة، وهو الانخفاض الأكبر في المملكة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2014، ليبقى المؤشر منخفضاً منذ اندلاع الأزمة بداية الشهر خمسة في المئة.
اللافت أن مواصلة المؤشر انخفاضه متجاوزاً التدخّل الهائل للحكومة بشكل غير مباشر، يأتي بالتوازي مع انطلاق منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار»، الذي كان من المفترض أن يعود بانعكاس إيجابي على سوق الأسهم والاستثمارات عموماً. إلا أن ذلك لم يحدث سوى لأسهم بعض الشركات التي أعلنت عن توقيعها عقوداً كبيرة، كشركة «التعدين العربية» التي ارتفع سهمها 6,1 في المئة بعد أن وقعت عقداً مع «ديلم» الصناعية (كوريا الجنوبية) لبناء مصنع أمونيا بـ 892,98 مليون دولار.
تواصل المؤشرات السلبية انبعاثها من المملكة، مترافقة مع الأزمة السياسية الأم التي شكّلت عامل طرد للمستثمرين أو توقف إلى حين انجلاء غبار الأزمة، وفي الأثناء بات المراقبون يتوقفون عند الصورة القاتمة غير مخفين لشكوكهم ومخاوفهم. وعلى الأقل «الرؤية منعدمة تماماً» وفق ما يقول رئيس صندوق «غولف إنفستمنت» نيك ويلسون، الذي علّق على التراجع السعودي بالقول: «التراجع الأخير كشف عن بعض القيمة لكن في ظل كل تلك الاضطرابات والتقلبات، فالرؤية منعدمة تماماً في شأن كيف ستسير الأمور». وزاد ويلسون بالقول: «نحن في هذه المرحلة لا نقول إنها فرصة شراء»، لافتاً إلى أن «مجتمع الاستثمار» سيحجم عموماً عن تكوين مراكز ملموسة لحين اتضاح الأمور أكثر.
لا تتوقف الانبعاثات السلبية حول تأثر الأسواق السعودية على الأرقام ومخاوف المستثمرين، إذ إن التدخّل الذي أقدمت عليه الحكومة بشكل غير مباشر لانتشال البورصة السعودية (قدرت مصادر حجم الشراء الذي قامت به جهات تابعة لصندوق الاستثمارات العامة بـ 1.33 مليار دولار)، ساعد بالفعل على الحد من أخطار الأزمة بشكل كبير، ما يعني أن الأزمة في حقيقتها أكبر مما بدت للمراقبين، وكانت أرقام التراجع لتكون أكبر من 7 أو 5 في المئة، لولا هذا التدخّل، بحسب ما علّق خبراء.
وللمرة الأولى منذ بداية الشهر، أقرت الرياض، أمس، بأنها تمر في «أزمة»، على لسان وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح. الأخير، وعلى هامش منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» المنعقد في الرياض، قال صراحة: «كما تعلمون هذه أيام صعبة... ونحن نمر بأزمة».
(رويترز، أ ف ب)