لم يشارك أحد اللاعبين الرئيسيين في العلاقات الأميركية ــــ السعودية في المحادثات التي أجراها وزير الخارجية مايك بومبيو، في الرياض، والتي هدفت إلى نزع فتيل الأزمة الدولية التي تسببت فيها قضية اختفاء جمال خاشقجي. ساهم صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، في بناء التحالف بين آل سعود وعائلة ترامب، عبر توليه وكبير مستشاري دونالد ترامب، حملة الترويج لمحمد بن سلمان كمصلح صاحب رؤية جديدة. كما أقنع كوشنر الإدارة الأميركية بربط سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بنجم الأمير الصاعد. طوال ساعات الليل، خطط الأمير والصهر لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بأفكار جريئة وأكوام من المال. في الوقت الحالي، جُمدت جميع هذه الخطط في ظل اتهام ولي العهد بالوقوف وراء مقتل الصحافي المعارض بدم بارد.يلتزم كوشنر الصمت المطبق، في وقت يؤدي فيه ترامب دور اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ في إدارة الأزمة بالنيابة عن النظام الملكي السعودي. وزعم ترامب الاثنين في مؤتمر صحافي، أن الفريق الذي يشتبه في وصوله إلى إسطنبول على متن طائرة رسمية ولديه حرية التحرك والعمل داخل القنصلية، مؤلف من «قتلة خارجين عن السيطرة»، ارتكبوا الجريمة من دون علم الأمير أو والده الملك.
وتشكّل عملية خلق الأعذار هذه تراجعاً كبيراً من الآمال العظيمة التي حملتها العلاقات السعودية ــــ الترامبية في أيار/ مايو من العام الماضي. فالرئيس الأميركي جعل من الرياض الوجهة الأولى لرحلته الخارجية بعد توليه منصبه، ودعم بشكل خاص ولي العهد بعدما رأى كوشنر فيه حليفاً محتملاً. وفي حين دعمت وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية محمد بن نايف، ولي العهد حينها، تمسّك صهر الرئيس بابن سلمان، مستنداً إلى «معلومات استخبارية موثوقة»، على الأرجح كان مصدرها الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المقرّب من عائلة كوشنر. وهكذا، بدعم من البيت الأبيض، صعد ابن سلمان على حساب ابن نايف.
في هذه الأثناء، حقّقت قمة الرياض نجاحاً كبيراً، وأدى الرئيس الأميركي رقصة تقليدية سعودية أثناء مراسم استقباله في قصر اليمامة. حينها، أعلن ترامب عن صفقة تسليح بقيمة 110 مليارات دولار أميركي، استخدمها الأسبوع الماضي لتبرير عدم قدرته على فرض عقوبات على العائلة المالكة السعودية حتى ولو تبيّن أنهم بالفعل وراء مقتل خاشقجي. وتعتبر صفقة التسليح جزءاً من سلسلة وعود استثمارية أطلقها ابن سلمان بحضور ترامب.
(...)
وفي الوقت الذي أصبح فيه الاقتصادان الأميركي والسعودي أكثر تشابكاً، اتخذت السياسة الخارجية لكلا البلدين إطاراً مماثلاً. على سبيل المثال، في حين حاول الرئيس السابق باراك أوباما تحقيق التوازن بين السعودية وإيران، اختار ترامب الاصطفاف بشكل كامل إلى جانب الرياض ضد طهران. في المقابل، دعمت الرياض مشروع كوشنر الكبير: اتفاق سلام نهائي بين إسرائيل والفلسطينيين.
وحين أثار الكونغرس الشكوك حول سجل المملكة المتدهور في مجال حقوق الإنسان، من عملية الاحتجاز التي جرت في فندق «الريتز كارلتون» إلى المجازر المروعة التي يرتكبها الطيران الحربي في اليمن، نجح المال السعودي في الضغط وكمّ الأفواه.
ووفق مركز السياسة الدولية، أنفق السعوديون 27 مليون دولار على ما يعرف بشركات «الضغط السياسي» أو «اللوبي الأميركي» في 2017، أي ثلاثة أضعاف المبلغ الذي تمّ إنفاقه في 2016. من ضمن الـ 27 مليوناً، استثمر 400000 دولار في الحملات الانتخابية لأعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب الذين في المقابل تبنوا سياسة غض النظر عن التجاوزات السعودية.
في النهاية، لم تكن عمليات قمع المعارضة السبب الذي أبطأ عجلة علاقات ترامب ــــ آل سلمان، ولا مقتل الآلاف من المدنيين في اليمن خلال السنوات الثلاث الماضية، بل اختفاء خاشقجي. وقررت شركات عالمية الانسحاب من مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» المقرر عقده في السعودية في وقت لاحق من الشهر الجاري، على خلفية اختفاء الصحافي، في حين طالب 22 عضواً في الحزبين الجمهوري والديموقراطي بإجراء تحقيق سريع. في الوقت نفسه، هاجم أعضاء مجلس الشيوخ في الحزبين، الأسبوع الماضي، قرار بومبيو الاستمرار في تصدير الأسلحة إلى السعودية، مطالبين بإجراء تصويت حول هذه المسألة.
وغير متوقع أن تكون قضية خاشقجي سبباً لسقوط آل سلمان، إلا أن الطموحات التي روّج لها الأمير محمد مهددة بالانهيار، ومعها ما تبقى من حكم عائلة ترامب.
(نقلاً عن «ذي غارديان» البريطانية)