في الظاهر، بدا قرار المجلس الوزاري المصغر منح الجهود الدبلوماسية فرصة، حتى نهاية الأسبوع الجاري، للتوصل الى تهدئة مع فصائل المقاومة في قطاع غزة، كما لو أنه استجابة لوساطة مصرية تحاول منع التصعيد. وعلى المستوى النظري، يصح وضع هذا القرار أيضاً، ابتداء، في سياقين مضادين: الأول استنفاد الخيارات البديلة قبل الانتقال إلى خيار العدوان. والآخر، استنفاد محاولات تجنّب معركة لا تريدها تل أبيب لأكثر من اعتبار أمني وسياسي، من ضمنها عدم وجود أفق لأي مواجهة عسكرية، وفي الوقت نفسه من دون أن تبدو إسرائيل كما لو أنها تتراجع أمام التصميم الفلسطيني، بما يؤثر على صورة ردعها. مع ذلك، فإن تعقيدات المشهد الإسرائيلي تفرض قراءة المواقف السياسية في سياق أوسع يفترض أنه الأكثر حضوراً على طاولة القرار.أمام خليط المواقف التي توالت على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، وتحديداً ممن يشكلون أعضاء المجلس الوزاري المصغر الذي بيده اتخاذ قرار بالاندفاع نحو المواجهة أو عدمها، ينبغي التمييز بين تلك التي تهدف إلى تعزيز موقعها لدى الجمهور الإسرائيلي، على خلفية بدء السنة النهائية من ولاية الكنيست، هذا إذا لم نتحدث عن انتخابات مبكرة، وبين تلك التي تُعبِّر عن القيود الموضوعية التي تحضر في عملية اتخاذ القرار، وتكشف عن حقيقة أن إسرائيل تهوِّل بحرب تسعى الى تجنبها.
بعيداً عن الخطاب الإسرائيلي الذي يعمد إلى تحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية، متجاهلاً حقيقة الاحتلال وإفرازاته، والحصار المضروب على نحو مليوني شخص يعانون في القطاع، الواقع أن كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني يحرصان ابتداء على تجنب المواجهة في هذه المرحلة، لكن ليس بأي ثمن.
فالإسرائيلي يريد تهدئة بشرط عدم رفع الحصار وإرساء أجواء آمنة للمستوطنين وللمستوى السياسي كي يواصل سياسة الزحف الاستيطاني. والطرف الفلسطيني يريد التهدئة، لكن ليس بأي ثمن، وإنما مع رفع الحصار ومن دون تقديم تنازلات جوهرية. ونتيجة ذلك، تبلورت ساحة كباش على خلفية التجاذب بين الطرفين حول طبيعة ثمن التهدئة. وتتركز المساعي لمنع التدحرج نحو مواجهة عسكرية على محاولة بلورة مساحة مشتركة تلبي الحد الأدنى للطرفين، وفي هذه المرحلة حصراً. مع ذلك، ينبغي التشديد على حقيقة أن كل هذا التجاذب، بغض النظر عما سيؤول إليه، ما كان ليتحقق لولا حضور قوة ردع فصائل المقاومة بقوة لدى المؤسستين السياسية والأمنية، إضافة الى أولوياتها بمواجهة تهديد الجبهة الشمالية.
في مواجهة هذا الواقع، تتردد أصداء خطابين في المجلس الوزاري المصغر، أحدهما يركز على مصلحته الانتخابية بالدرجة الأولى في تظهير موقفه، والآخر يعبّر بشكل موضوعي عن القيود التي تفرض نفسها على المؤسسة الإسرائيلية. هذا من دون احتساب من يحاول الجمع بين الاعتبارين.
النموذج الأول، يمثله وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، ومن أبرز مزاياه أنه يتظلل بمتطلبات قوة الردع الإسرائيلية التي تفرض مزيداً من التوثب والاندفاع نحو المواجهة العسكرية، حتى لو تدحرجت نحو مواجهة عسكرية واسعة. وعلى هذه الخلفية، دعا الى «توجيه ضربة قاسية لحماس... تمنحنا أربع أو خمس سنوات من الهدوء. وسيكون لهذا ثمن... بسبب الصواريخ التي ستطلقها حماس بحالة الحرب والتي وصفها بأنها أكثر تطوراً وفتكاً».
في المقابل، تبرع عضو المجلس الوزاري المصغر ووزير الطاقة، يوفال شطاينتس، بالتعبير عن حقيقة الرؤية الإسرائيلية، راضياً بأن يبدو كمن يتبنى «موقف الجبان». ولفت إلى أن أي حرب ستكون «من دون أهداف حقيقية»، وعبَّر عن خشيته من الانشغال بالجنوب بدلاً من التركيز على مهمات أهم بكثير للمستقبل، مثل الوضع في سوريا.