الوضع الحساس والمعقد الذي تعيشه السعودية جراء تورّطها في إخفاء و/ أو قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصليتها في اسطنبول التركية، رحّل القضايا الخلافية بين القوى المحلية الموالية لـ«التحالف» في اليمن، وألزمها بالسقوف السابقة وإبقاء الوضع على ما هو عليه، مع رفض السعي إلى أي تغيير في المحافظات الجنوبية، ولا سيما من قِبَل «الانتقالي»، الذي أظهر سريعاً الطاعة، والتزم بالتوجيهات الجديدة بعدما كانت مُقرّرةً السيطرة على المؤسسات الإيرادية في الجنوب. وطلب الجانبان السعودي والإماراتي من تلك القوى إيقاف كلّ ما من شأنه إحداث تشنّج بينها، إلى أن تنجلي المعركة السياسية والإعلامية والقانونية في قضية اختفاء خاشقجي. وأُبلغت الأطراف المحلية أن الرياض وأبو ظبي غير حاضرتين لسماع أي شكوى في الشأن المحلي اليمني، ما دامت القضية المذكورة وتداعياتها على المستويات كافة لم تنتهِ أو تُعرف وجهتها. وصدرت توجيهات لجميع النشطاء السياسيين والإعلاميين، ولا سيما ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي المُموّلين من الرياض وأبو ظبي، بالتوقف عن متابعة الأحداث اليمنية أو التعليق عليها، أو على الأقل التقليل من ذلك، والانصراف الكامل باتجاه مواجهة «الحملة المغرضة» التي تتعرّض لها السعودية بشأن إخفاء خاشقجي.
الارتهان الكامل لأبو ظبي أعمى نظر «الانتقالي» عن القراءة الواقعية


وعلمت «الأخبار» أن «الانتقالي» كان يملك خطة عسكرية للسيطرة على المرافق الحيوية في الجنوب، إذا ما فشل في التحشيد الجماهيري. وتقضي الخطة بالسيطرة العسكرية على المرافق التي يدين موظفوها بالولاء لـ«الانتقالي»، والتدحرج باحتلال المرافق، وصولاً إلى السيطرة الكاملة، وفرض أمر واقع ميداني وسياسي، وإجبار الهيئات الأممية وكذلك «التحالف» على التعامل مع «المجلس» بصفته «الممثل الوحيد» للجنوب. والجدير ذكره، هنا، أن أبناء المحافظات الجنوبية لم يتجاوبوا مع دعوة «الانتقالي» تلك؛ إذ لم تخرج أي تظاهرة شعبية ذات وزن مؤيدة له في أي من المحافظات الست، كما أن مسؤولي المحافظات والمديريات والمؤسسات الحكومية أظهروا سخطهم على تصرفات «الانتقالي»، ورفضوا بدورهم التجاوب مع دعوته.
جراء ذلك، تراجع «الانتقالي» بشكل تدريجي عن إعلانه المفاجئ وغير المدروس بداية الشهر الحالي فكّ الارتباط الكامل مع ما تسمى «الشرعية»، والدعوة إلى انتفاضة جماهيرية لاستعادة المؤسسات الإيرادية. التراجع المذكور أظهر، ومن دون لبس، أن مسؤولي «الانتقالي»، الموجود معظمهم في أبو ظبي، ليسوا فقط لا يمتلكون قرارهم، ويعملون حسب التوجيهات الإماراتية (لا يخفي بعضهم تلقي الأوامر المباشرة من المسؤولين الإماراتيين في المجالس الخاصة)، بل إن ارتهانهم الكامل لأبو ظبي أعمى نظرهم عن القراءة الواقعية للخريطة السياسية في الجنوب والإقليم، فأوقعهم في موقف مربك وحرج، والأهم من ذلك زاد الشرخ بينهم وبين المواطنين، إلى درجة الاضطرار إلى التراجع عن إحياء «14 أكتوبر»، وهي ذكرى انطلاق الثورة ضد الاستعمار البريطاني، بعدما كان مُقرّراً إحياؤها في خور مكسر (عدن).
الاندفاع السريع والمفاجئ باتجاه التغيير في المشهد السياسي والأمني الجنوبي، بالطريقة التي دعا إليها «الانتقالي»، في ما يشبه الانقلاب العسكري تحت شعار المطالبة بالحقوق المشروعة للمواطن الجنوبي، وطرد «الشرعية» بعد تحميلها المسؤولية عن الانهيار الاقتصادي، سقط أمام المعادلة الخارجية التي يمسك بتلابيبها طرفا التحالف السعودي ــــ الإماراتي، ليخرج الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، في خطاب بذكرى «14 أكتوبر»، بدا فيه أنه مرتاح، وأفرد مساحة واسعة للجنوب، رافضاً بشكل قاطع الاقتتال الجنوبي ــــ الجنوبي، ومُذكِّراً خصومه في «الانتقالي» بأن لهم حسابات لا تزال في بيروت، في إشارة منه إلى أن بعضهم نقلوا البندقية من كتف إلى كتف.