انتهت يوم الاثنين أعمال «اللجنة المركزيّة لحزب البعث العربي الاشتراكي» في سوريا. وفيما كان الكثيرون يتوقّعون أن تُسفر الاجتماعات التي امتدّت على مدار يومين عن تغييرات تطاول بعض «وجوه الصف الأول» في البعث السوري، فإنّها، خلافاً لذلك، تكفّلت بتثبيت «أعضاء القيادة» في مهامهم ذاتها، مع تغيير في التسمية لتصبح «القيادة المركزيّة» بدلاً من «القيادة القطريّة». للوهلة الأولى يبدو الأمر مجرّد تغيير شكلي، لا تتوخّى منه أي نتائج ملموسة لا سيّما في ما يتعلّق بالواقع السوري في عمومه. لكنّ جوهر الأمر يُشير إلى أنّ آثار التغييرات التي تم إقرارها تفوق بكثير أي تغيير تقليدي يُطيح بأسماء ويأتي بأخرى، من دون أي أثر ملموس. ومن المُنتظر أن تتحوّل اجتماعات «تشرين الأول» إلى علامة فارقة تفصل بين حقبتين سوريّتين مختلفتين في كثير من التفاصيل. ويبدو أنّ العنوان الأصلح للمرحلة المقبلة من عمر البعث هو «حقبة السورنة»، لا في ما يتعلّق بالحزب فحسب، بل بما ينسحب أيضاً على «أدبيّات» الدولة بأكملها. وعلمت «الأخبار» أنّ إلغاء التسميات «القطريّة» و«القوميّة» من سجلّات «البعث السوري» ليس سوى بداية حقبة تشتمل على مراجعات كاملة لمعظم المفاهيم التي طبعت «أدبيّات البعث» وطبعَ بها البلاد طوال العقود الماضية. ويأتي على رأس تلك المفاهيم شعار البعث «أمّة عربيّة واحدة، ذات رسالة خالدة» وأهدافه «وحدة، حريّة، اشتراكية».
من المُنتظر أن تتحوّل الاجتماعات إلى علامة فارقة تفصل بين حقبتين

ولن يتخلّى البعث عن شعاره أو أهدافه، أو يقوم باستبدالهما، لكنّه سيقدّم مقاربة «فكريّة» جديدة للمفاهيم تتجاوز فكرة «الوحدة الجغرافيّة» إلى «الاتحاد الفكري». على أنّ أهمّ النتائج المتوقّع أن تؤسّس لها الاجتماعات الأخيرة هي تلك التي تتعلّق بمستقبل الدولة السوريّة، لا سيّما فتح الباب أمام «مناقشة مسألة إيلاء الصدارة للعروبة في تسمية الدولة، وما يتفرّع منها من تطبيقات»، وفق ما تشير إليه مصادر حزبيّة. وعلى رغم أنّ «البعث» لم يعد نظريّاً «قائداً للدولة والمجتمع» وفق الدستور الجديد الذي أُقر عام 2012، فإنّ إمرار أي تغيير «فكري» يرتبط بالدولة السورية يبدو بالغ الصعوبة من دون تأسيس «البعث» نفسه لذلك، لا سيما في ظل ارتباط كل الاتحادات والنقابات و«المنظمات الشعبية» به، الأمر الذي ينطبق على الحكومة ومجلس الشعب وبقية مؤسسات الدولة. ولا تنبع أهميّة هذه التغييرات من ذاتها فحسب، بل من كونها حلقة في سلسلة «مراجعات شاملة» بدأ العمل عليها فعليّاً منذ شهور على صُعدٍ عدّة. وعلى رأس المراجعات المذكورة، تبرز «البنية الأمنيّة» التي أُنجزت دراسات متكاملة في شأنها، بدءاً من «الهيكلية وتشعّبات المؤسسة الأمنية، مروراً بتسميات الجهات والفروع، وصولاً إلى المهام وآليات التنفيذ»، وتضاف إلى ذلك «دراسات مماثلة تتعلّق بالمؤسسة العسكريّة»، على ما تؤكّده مصادر «الأخبار». وربما صحّ إدراج «المرسوم 16» الناظم لعمل وزارة الأوقاف، في هذا الإطار (من المتوقّع أقرار المرسوم بعد الحاق جملة تعديلات به، وبما لا يؤثر في الهدف الأساسي المتوخى منه والمتعلّق بإشراف الحكومة مباشرة على كل تفاصيل الحياة الدينيّة). وبدا لافتاً أنّ الرئيس بشار الأسد، قد أشار قبل أيام إلى «إعادة تأهيل بعض الشرائح» الاجتماعيّة في سوريا. وقال خلال ترؤسّه الجلسة الافتتاحيّة لأعمال «اللجنة المركزيّة» (بصفته الأمين العام للبعث) إنّ «المعركة الحقيقيّة هي إعادة تأهيل شرائح كانت حاضنة للفوضى والإرهاب لكي لا تكون ثغرة يتم ضرب استقرار سوريا مستقبلاً من خلالها».