يوم عاد اسمه للتداول كمرشح توافقي قبل أسابيع، كتب اعتذاراً لقرائه عن كتابة مقاله اليومي. يعرفه الجميع بـ«الدكتور عادل»، مع أنه لا يحوز شهادة دكتوراه. يحقد عبد المهدي على الأميركيين. قد يبدو هذا مستغرباً من صديق واشنطن الذي عاش حياته في فرنسا ويحمل جنسيتها، قبل أن يعود في 2003 إلى العراق عضواً في مجلس حكم الاحتلال. وثائق «ويكيليكس» تكشف أن صاحب الأصول الكويتية، وفق تقرير للخارجية الأميركية في عام 2007، لم ينس بعد أن الأميركيين منعوه من الوصول إلى رئاسة الحكومة تحت ذريعة «علاقاته الإيرانية». حدث ذلك بعد تفضيل اللاعبين إبراهيم الجعفري في اللحظات الأخيرة (2005)، وبعد أن كان عبد المهدي نفسه، وكذلك بحسب وثائق «ويكيليكس»، يتواصل مع الأميركيين لتحذيرهم من «التغلغل الإيراني» في العراق!يومها، استرضي الرجل بمنصب أحد نائبي رئيس البلاد (حتى 2011). لم يخرج ابن الناصرية (جنوب شرق) من اللعبة، بعد أن ترك بصمته في عراق ما بعد الغزو، سواء في مجلس الحاكم الأميركي، أو من خلال إسهامه في إعداد دستور الفدرالية المغرم بها كولع الباحث الاقتصادي بالأفكار الاقتصادية الليبرالية. لكن حضوره الأقوى في السلطة كان يوم اختياره وزيراً للنفط عام 2014. لم يدم عبد المهدي كثيراً في المنصب، إذ قدّم استقالته بعد مدة قصيرة (2016). يشتكي أصدقاء الرجل وخصومه على السواء من كثرة «استقالاته». يقولون إنه سرعان ما يعلن «إضرابه» ويتراجع عن التزاماته تحت تأثير الخلافات أو أسباب أقل أهمية.
منذ خروجه من وزارة النفط، ارتبط اسمه بـ«الحياد»، إذ بات خارج «المجلس الإسلامي الأعلى» التنظيم الذي انخرط فيه منذ الثمانينيات تحت قيادة الراحل محمد باقر الحكيم. تقلّب «المثقف» ومصدر مجلة «ينابيع الحكمة» الفكرية وصاحب «إشكالية الإسلام والحداثة» و«التضخم على الصعيد العالمي» وغيرها من المقالات والأبحاث الاقتصادية والفكرية، في عدة مذاهب فكرية، حتى صار ابن العائلة السياسية والإقطاعية مضرب المثال على التقلب الإيديولوجي. من البعثية، قبل أن يصبح مطلوباً لنظام «البعث» العراقي، فالاشتراكية، حطّت رحاله أخيراً عند الإسلام السياسي. يقال إن الاحتلال الأميركي أعاد إلى عائلته الأراضي التي كانت قد صادرتها حكومة عبد الكريم قاسم في 1958 سنداً لقانون «الإصلاح الزراعي»، بعد أن كان والده أحد أصحاب المناصب في النظام الملكي إبان حكم الملك فيصل لبلاد الرافدين.
يقول مجالسوه إنه شخص «منظم» ومرتب في متابعة ملفاته وتقديم أفكاره، هادئ ومحدّث لبق، وسياسي محنك، لا يتسرّع في طلب المناصب ولا يتمسك بها، رغم ملاحظة آخرين أن شخصيته «ضعيفة» وأقرب إلى المثقف منها إلى السياسي الحازم. كثير التردد على طهران حيث يلبي الدعوات للمشاركة في المؤتمرات والمحافل المعنية بشؤون المنطقة. يشتكي اليوم البعض في الصالونات السياسية من أن المولود في بغداد عام 1942، كبير في السن (76 عاماً)، وكذلك فهو ينتمي إلى الطبقة السياسية «المجرّبة» منذ 2003، إلا أنه في الوقت نفسه، وبالتوافق على اسمه لرئاسة الوزراء، يقفل الباب على زمن حكم «حزب الدعوة». يحوز الرجل شهادة بكالوريوس في الاقتصاد، نالها من جامعة بغداد عام 1963، قبل أن يغادر إلى فرنسا حيث حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية، ودرجة ماجستير ثانية في الاقتصاد السياسي. يردد مقربون من الرجل «الحذر» دائماً، والساعي إلى حماية نفسه بأكبر شبكة «توافقات»، أنه اشترط على المفاوضين غطاءً وتأييداً من المرجعية الدينية في النجف، لتوليه رئاسة الحكومة، وهو ما حصل عليه في النهاية. يعدّ عبد المهدي، صديق الأكراد منذ التسعينيات حين كان يتواصل مع أحزاب «كردستان» بتكليف من «المجلس الأعلى»، مكسباً لأربيل والسليمانية، وهو الذي حمى امتيازات الإقليم، سواء في تشريع النفط وملفي كركوك وحصة الإقليم من الموازنة. كذلك، تعدّ طهران مجيء صديقها عبد المهدي مكسباً إيجابياً، وفي الوقت نفسه لا شيء يشي بانزعاج أميركي من اختياره في أعلى منصب عراقي، سوى أنه أتى من بوابة فشل تأمين واشنطن ولاية ثانية لحيدر العبادي. وهكذا يكون «الدكتور» قد حقّق «انتقامه» من أصدقائه الأميركيين بعد 13 عاماً على عرقلة وصوله إلى المنصب!