بكلّ ثقلهما الدبلوماسي ألقت السعودية والإمارات في أروقة مجلس حقوق الإنسان، من أجل منع صدور قرار بتمديد عمل لجنة الخبراء الدوليين المعنيين باليمن، والذين يتولّون التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد. لكن النتيجة جاءت على خلاف ما تشتهي الرياض وأبو ظبي ومعهما حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، بتصويت غالبية الأعضاء في المجلس لمصلحة تمديد التحقيق سنة إضافية. نتيجة يمكن عدّها مؤشراً إيجابياً، خصوصاً أنها ترافقت مع إعلان المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، قرب إعادة فتح مطار صنعاء وإطلاق آلية لتبادل المعتقلين، فضلاً عن نيته إعادة الأطراف إلى طاولة المشاورات «خلال أسابيع». إلا أن جميع تلك الجهود الأممية تظلّ، حتى في حال نجاحها، أقرب إلى جرعات تخفيفية، في ظلّ غياب إرادة دولية جادة في إنهاء الحرب، بل والتحريض الأميركي على مواصلتها.وصوّت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أمس، بغالبية 21 صوتاً ومعارضة 8 وامتناع 18، على التمديد لفريق الخبراء المعني باليمن، والذي كان أصدر تقريره الأول أواخر آب/ أغسطس الفائت، مُحمِّلاً «التحالف» المسؤولية عن سقوط معظم الضحايا المدنيين. ومذاك، لم تهدأ السعودية والإمارات في محاولاتهما التشنيع على التقرير، والتشكيك في نزاهته، والحيلولة دون إمكانية تكرّر صدوره، على رغم أنه اعتبر أن الأطراف جميعها ارتكبت انتهاكات «قد ترقى إلى جرائم حرب». وتواصلت تلك المساعي حتى اللحظات الأخيرة قبيل صدور قرار التمديد، حيث حذر السفير الإماراتي لدى الأمم المتحدة، عبيد سالم سعيد الزعابي، من أنه «إذا تمت المصادقة على مشروع القرار بشكله الحالي فسيضرّ ذلك اليمن أكثر مما ينفعه»، مضيفاً أن المشروع «سيعمّق الانقسامات في اليمن، وعدم الاستقرار في المنطقة». وفي الاتجاه نفسه، رأى وزير حقوق الإنسان في حكومة هادي، محمد عسكر، أن «هذا التوجّه يضرّ بوحدة المجتمع الدولي حول اليمن، ويخدم استمرار الحرب لا السلام من خلال ما يوجّهه من رسائل خاطئة». وكانت حكومة هادي اتهمت، أول من أمس، فريق الخبراء بـ«تسييس وضع حقوق الإنسان في اليمن، والانحياز بشكل واضح للميليشيات الحوثية بهدف خلق سياق جديد يتنافى مع قرارات مجلس الأمن وعلى رأسها القرار 2216».
يُفترض أن يتم فتح مطار صنعاء الدولي الأسبوع المقبل


حملات تحريضية لم تفلح في إجهاض قرار التمديد الذي «وقف صامداً في وجه المساعي المخزية للتحالف بقيادة السعودية لسحق تحقيق خبراء الأمم المتحدة»، بحسب توصيف منظمة «هيومن رايتس ووتش» لما جرى أمس. وفي قبالة نجاح القرار المدعوم من مجموعة الدول الأوروبية وكندا، والذي طالب فريق الخبراء بتقديم تقرير جديد حول الأوضاع في اليمن في أيلول/ سبتمبر الجاري، فشلت ما تُسمّى «مجموعة الدول العربية في مجلس حقوق الإنسان»، والتي تقودها السعودية، في تمرير قرار آخر يدعو إلى تولّي «اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان» التابعة لحكومة هادي، والمدارة سعودياً عملياً، مهمة التحقيق في الانتهاكات، بالنظر إلى ما تحوزه تلك اللجنة من صيت سيء وفقدان ثقة في آلياتها ومصداقيتها، وهي التي برّأت مراراً «التحالف» من جرائم قتل واضحة لا مجال للمواربة فيها. هذا الفشل سرعان ما بادر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إلى محاولة تجميله بالقول إن «قرار التمديد انتفى عنه الإجماع التقليدي»، معتبراً أن «أي تقارير مستقبلية (ستصدر عن فريق التحقيق) ستكون ضعيفة وغير متوازنة وخلافية»، فيما أعرب السفير السعودي لدى الأمم المتحدة، عبد العزيز الواصل، عن خيبة أمله إزاء قرار التمديد.
في المقابل، رحّبت حكومة الإنقاذ بالقرار، مُبدِية استعدادها للتعاون مع فريق الخبراء، وتقديم التسهيلات اللازمة من أجل استكمال التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها دول تحالف العدوان. ودعت وزارة خارجية «الإنقاذ»، على لسان مصدر فيها، إلى تعليق عضوية السعودية والإمارات في المجلس، مُجدِّدةً المطالبة بتشكيل لجنة دولية مستقلة ومحايدة، بصلاحيات واسعة وفترة زمنية كافية للتحقيق في الجرائم كافة. الترحيب نفسه يُتوقّع أن يلاقيه إعلان المبعوث الأممي، أمس، تطلّعه إلى إعادة فتح مطار صنعاء الدولي الأسبوع المقبل. وهو إعلان، على رغم أنه أُتبع بعبارة «إن تمكّنْتُ من إتمام ذلك»، يُعدّ مؤشراً إلى تمكن غريفيث من تحقيق اختراق هام في ما يسميها «الملفات الإنسانية»، التي قال إنه «تم إنجاز الكثير من الأمور» بشأنها منذ انهيار محادثات جنيف التي كان منتظراً انطلاقها في 6 أيلول/ سبتمبر الجاري. ومن بين تلك «الأمور» آلية للإفراج عن معتقلي الحرب سيتمّ الإعلان عنها كذلك، تمهيداً للعودة إلى طاولة المشاورات «خلال أسابيع» (في أوروبا أيضاً ولكن ليس في جنيف) بحسب ما أفاد به غريفيث.
تصريحات مُبشّرة تظلّ محاطة بالشكوك بالنظر إلى عاملين: أولهما فشل التجارب الأممية السابقة في حمل «التحالف» على تحسين الأوضاع الإنسانية، وآخر تجلياته إخفاق منسّقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، ليزا غراندي، في تنفيذ الاتفاقية التي وقّعتها مع حكومة الإنقاذ على تسيير رحلات جوية طبية من صنعاء لذوي الحالات الحرجة. وثانيهما التغطية الأميركية المتواصلة لاستمرار السعودية والإمارات في حربهما، والتي جاءت أحدث مصاديقها على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الخليج، تيم ليندركينغ، الذي أشار، في تصريحات صحافية أول من أمس، إلى أن من بين أهداف ما يسمّى «الناتو العربي» المزمع إطلاقه قريباً «تنسيق عملية إدارة الصراعات من سوريا وصولاً إلى اليمن».