لم تكن تغريدة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي حذّر فيها من شنّ «هجوم متهور» على منطقة إدلب، خارج سياق التحذيرات الغربية التي ركزت على «حتمية وسرعة» الرد على أي استخدام مفترض للأسلحة الكيميائية من القوات الحكومية السورية. لكنها حملت مؤشرات تتساوق واللهجة الدولية والأممية المستخدمة حالياً بشأن الوضع في إدلب. فترامب، على غير عادته، استخدم توصيف «الرئيس بشار الأسد» بعدما كان يتعمّد استعمال نعوت محددة بدلاً من المنصب.كذلك ربط ترامب تحذيره، الموجه أيضاً إلى روسيا وإيران، بوصف «الهجوم المتهور» الذي لا يشمل ضمناً هجمات محددة ومنسقة تستهدف جماعات محددة مثل «هيئة تحرير الشام» أو «حراس الدين»، وغيرهما. هذا التلميح إلى حجم الهجوم وطبيعته، ورد على نحو أوضح أمس، على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية جوزيف دانفورد، خلال زيارة للعاصمة اليونانية أثينا. إذ رأى دانفورد، كما نقلت وكالة «رويترز»، أنه «إذا نُفِّذَت عمليات عسكرية كبيرة (في إدلب)، نتوقع كارثة إنسانية، وأعتقد أننا جميعاً نود تفادي ذلك»، ليعود ويشرح أن «مزيداً من المباحثات بين الأتراك والسوريين والروس بشأن عمليات أكثر دقة لمكافحة الإرهاب، ستكون النهج الصحيح على عكس العمليات التقليدية الواسعة النطاق».
ومن غير المستبعد أن تتحرك واشنطن وحلفاؤها لتنفذ عدواناً جديداً على سوريا خلال معارك إدلب المرتقبة بذريعة استخدام أسلحة كيميائية، وهو ما أكده بيان صادر عن البيت الأبيض أمس. لكن حجم الاعتداء المفترض وطبيعته، إن حدث، لن يغيّرا المحصلة النهائية لمجريات إدلب، كما لم يؤثر الاعتداءان السابقان في مسار عودة القوات الحكومية إلى غوطة دمشق الشرقية والجنوب وريف حمص، رغم أنه قد يُعَدّ مدخلاً أمام الأميركيين لتوسيع قوس استهداف «الوجود الإيراني» ليشمل مناطق في الشمال السوري، بما يؤازر الجهود الإسرائيلية في هذا السياق.
موسكو: «الجيب الإرهابي» في إدلب يقوّض جهود «التسوية السياسية»


ويتناغم استخدام المسؤولين الأميركيين لتعبير «العمليات المحدودة» في إدلب مع الجهود الروسية - التركية - الإيرانية، المدعومة أيضاً من الأمم المتحدة والكبار الأوروبيين، الهادفة إلى حلّ قد يحيّد كتلة وازنة من الفصائل المسلحة عن المعارك المرتقبة، ويركز الجهود على «هيئة تحرير الشام» (أو جناح منها) وباقي الفصائل التي تقرر القتال. وضمن مسار التفاوض الذي تضغط خلاله تركيا على «تحرير الشام» لجرّها إلى «التسوية»، تشاركها موسكو، عبر القنوات المفتوحة مع بعض قادة الفصائل في إدلب وريفي حماة وحلب، وكذلك عبر الضغط الميداني. التركيز الروسي على «مكافحة الإرهابيين» وإنهاء تهديدهم المستمر عبر القذائف والهجمات بالطائرات المسيّرة، تُرجم بتكثيف الغارات الجوية على نقاط مختارة داخل منطقة «خفض التصعيد» تشهد وجوداً لمقاتلي «تحرير الشام» و«حراس الدين» و«أنصار الإسلام». ومن شأن التدخل الروسي المتنامي في الميدان أن يساعد في تعزيز الشرخ بين جناحي «تحرير الشام»، المفترقين بين مؤيد للانحلال ضمن الشروط التركية، وآخر مُصرّ على دخول المعارك ضد الجيش السوري وحلفائه.
في ضوء هذا التناغم الدولي حول فكرة العمليات المدروسة مسبقاً، يبرز خلاف حول تجيير نتيجة تطورات إدلب المرتقبة لمصلحة «الحل السياسي». فبينما تحشد الولايات المتحدة حلفاءها قبيل اللقاءات المرتقبة في جنيف بشأن «اللجنة الدستورية»، تقاطعت تحذيرات مسؤوليها حول فكرة أن الهجوم المرتقب في إدلب من شأنه أن يصعد «النزاع» بما يؤثر سلباً في المسار السياسي. على العكس، رأت موسكو أن «الجيب الإرهابي» في إدلب يقوّض جهود «التسوية السياسية»، فيما رأى المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، أن المحادثات المرتقبة ستكون «لحظة حقيقة» لعملية سياسية ذات صدقية، مضيفاً أنه يجب منع تحولها إلى «عملية طويلة»، لكن يجب أن تكون مدخلاً إلى إصلاحات تفضي إلى انتخابات بعد الحرب.